الزراوة أكبر تجمع سكاني ناطق بالأمازيغية في تونس ... تقرير مفصل

إعداد:  أحمد المحروق

تقع قرية الزراوة Zraoua في جنوب شرق البلاد التونسية و تتبع إداريا لمحافظة  قابس..يسكنها قرابة الخمسة آلاف نسمة يتحدث جميعهم اللغة الامازيغية..تكتنز هذه القرية موروثا ثقافيا ماديا و لا ماديا غنيا ..و تمتاز بخصوصيات فريدة من  نوعها سنتعرف عليها سويا في هذا المقال..

الزراوة Zraoua تونس



*واقع الامازيغ في تونس:



يمثل الامازيغ الناطقون في تونس نسبة 1 بالمائة أي ما يقرب من 300 ألف شخص يتحدثون الأمازيغية بطلاقة..و يتوزعون جغرافيا على عدة محافظات تنتمي جلها إلى  إقليم الجنوب الشرقي للبلاد و تعتبر قرى محافظة قابس أو ما يعرف بالثالوث  الأمازيغي التي تضم 3 قرى متجاورة و هي تاوجوت و تمزرط و الزراوة من أكبر و أشهر التجمعات السكانية الناطقة بالامازيغية..اضافة الى عدة قرى أخرى تابعة  لمدينة جربة الساحلية لعل أبرزهم قريتي قلالة و سدويكش ..اضافة الى قريتي شنني  و الدويرات اللتان تتبعان محافظة تطاوين في أقصى جنوب البلاد..

*تونس أمازيغية أرضا و تاريخا و ثقافة؟؟؟

امازيغ تونس

يعتبر جل الناشطين التونسيين الأمازيغ بأن تونس أمازيغية الهوى و التاريخ و  الثقافة..و يبررون ذلك بأن آثار الحضارة و الثقافة الأمازيغية لازالت مطبوعة ومنحوتة في تونس من خلال عدة تمظهرات لعل أهمها طغيان اللغة الأمازيغية على الدارجة التونسية..فالدارجة التونسية تحتوي مئات الكلمات الأمازيغية..اضافة  الى المعمار الأمازيغي المنتشر في كل ربوع البلاد شرقا و غربا شمالا و  جنوبا..فهنالك مناطق أمازيغية المعمار و العادات و التقاليد لكن سكانها لا  يتحدثون الأمازيغية و يعتبر المهتمون و الباحثون في الحقل الامازيغي بأن جل  التونسيين أمازيغ وقع تعريبهم خلال قرون مضت...

إحتفال أمازيغ زراوة بالسنة الامازيغية الجديدة 2970


*الزراوة قصة أكبر تجمع سكاني ناطق بالامازيغية في تونس:

تعتبر قرية الزراوة أو "آزرو"كما يحلو لأبنائها تسميتها..آزرو هي كلمة  آمازيغية تعني الحجر او الصخر..نسبة الى القرية القديمة التي بنيت على سفح  جبل..يعيش في الزراوة قرابة ال 5 آلاف نسمة لا يتحدثون سوى الأمازيغية..و يتعلمون اللغة العربية و الدارجة التونسية في المدرسة..

و يؤكد حمادة الزروي و هو فنان راب يغني بالامازيغية..بأنه واجه صعوبات كبيرة لتعلم اللغة العربية في أولى سنوات ولوجه للمدرسة..فالطفل التونسي يدخل للمدرسة في سن السادسة..و طيلة تلك السنوات الست لا يتكلم أطفال الزراوة إلا اللغة الأمازيغية..و يعود الفضل في إستمرارية اللغة الامازيغية و عدم إندثارها للأم و المرأة الزروية التي  حافظت على لغة الأجداد وعلمتها للاجيال اللاحقة..



*الزراوة القديمة و قصة التهجير القسري:


شيدت قرية الزراوة القديمة قبل عشرة قرون على سفح جبل شاهق الإرتفاع..و لم يكن إختيار المكان إعتباطيا فالأمازبغ عبر التاريخ عرفوا ببناء بيوتهم اما في الجبال أو في "مغارات"تحت الأرض أو على السواحل..و في ذلك حماية من الغزاة و قطاع الطرق..ظل آهالي الزراوة صامدون في قريتهم الجبلية رغم الظروف المعيشية القاسية فهم يفتقرون للماء و الكهرباء و كانوا يعتمدون على الأرض و الطبيعة في  تلبية كل احتياجاتهم الغذائية و المعيشية..

لكن تتالي سنين الجفاف في آواخر سبعينيات القرن الماضي و رغبة نظام الرئيس الراحل"الحبيب بورقيبة" في تهجير الاهالي و توطينهم في قرية اخرى تسمى اليوم"الزراوة الجديدة" بتعلة صعوبة  إمداد القرية بقنوات الماء و الكهرباء نظرا لصعوبة تضاريس المنطقة..

كل هذه  الأسباب عجلت برحيل الآهالي عن قريتهم بإستثناء عائلة الخالة "شيحية"التي رفضت اغراءات العولمة و الحياة الحديثة و قررت عدم الرحيل و ترك ارضها التي ولدت و ترعرعت فيها..الخالة شيحية و أبناؤها لازالوا يمكثون هنالك في القرية القديمة رغم قساوة الظروف المعيشية و المناخية..أما باقي الاهالي فقد رضخوا لضغوطات السلطة و هجروا قريتهم ليستوطنوا في قرية أخرى لا تشبه ثقافتهم و تاريخهم في  شيء..قرية حديثة بها كل متطلبات الحياة العصرية من ماء و كهرباء ..الزراوة الجديدة هي القرية التي يسكنها آهالي الزراوة اليوم...

*موروث ثقافي غني مهدد بالاندثار:

رغم المخزون الثقافي الغني الذي تكتنزه قرية الزراوة إلا أنه لم يستغل في تنمية المنطقة اقتصاديا من خلال جعل الزراوة قرية سياحية ثقافية..و هذا مارده  تهميش السلط الجهوية و عدم اكتراثهم بهكذا منتوج ثقافي و تاريخ مميز و فريد من نوعه..فالزراوة تمتلك موروثا ثقافيا غنيا..فسكانها لازالو محافظين على  لغتهم متشبثين بأصالة لباسهم رجالا و نساء فالقشابية هي ملاذ الرجال في فصل  الشتاء اما النساء فلازلن محافظات على ارتداء اللباس التقليدي الامازيغي من  ملحفة و بخنوق..

حتى في أكلهم لازال الزرويون محافظون على عاداتهم الغذائية و يعتبر الكسكسي و "ايفرشاين" و "الفثاث"أشهر المأكولات الزروية..حتى في العادات و التقاليد لازال سكان الزراوة يكافحون الزمن من أجل الحفاظ على ما توارثوه عن  أجدادهم..فعادات أعراسهم فريدة من نوعها و يتميزون بها عن جل مناطق البلاد..

*الزراوة القديمة كنز مدفون؟؟:


تعتبر قرية الزراوة القديمة المهجورة كنزا مدفونا بما تحمله من خصوصيات و مميزات معمارية فريدة قادرة على جعلها قرية سياحية ثقافية بإمتياز..فالزراوة القديمة عرفت ما قبل الثورة التونسية تصوير عدة أفلام عالمية لعل أبرزها العطش الأسود و الإنسان البدائي و مريم العذراء..

هاته الافلام عرفت مشاركة كبار صناع السينما في العالم لعل أبرزهم الممثل الامريكي الشهير"أنطونيو بانديراس"و النجم التونسي الراحل لطفي دزيري الذي قال عن الزراوة بأنها "هوليود  تونس"..فقرية الزراوة القديمة تتميز بعذريتها و غياب أي مظهر من مظاهر الحداثة في معمارها و هو ما يجذب كبار مخرجي الافلام التاريخية و الوثائقية..و رغم كل هذه الميزات و الخصوصيات التي تتفرد بها القرية إلا أن ذلك لم يشفع لها لتنال حقها في مشاريع الترميم و العناية..لتصبح اليوم مهددة بالاندثار و الزوال بسبب خراب المنازل و بداية سقوطها.

بقلم : أحمد المحروق