اقتراحات الاستاذ محمد بودهان بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية، موجّهة إلى رئيس الحكومة المغربية

بقلم : محمد بودهان .
قرأت، السيد رئيس الحكومة المحترم، أنكم فتحتم، عبر تخصيص عنوان بريد إلكتروني لذلك، باب تلقي الاقتراحات المتعلقة بالقانون التنظيمي للغة لأمازيغية، الذي تعتزم حكومتكم إعداده إعمالا للفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور. 

وإن كنت لا أشك في حسن نيتكم، السيد رئيس الحكومة المحترم، إلا أنني لا أريد أن تكون اقتراحاتي غُفْلا وسرية، ولهذا فضلت، حتى تكون علنية ومعلومة، اللجوء إلى منبر "الصحافة" لأعرض عليكم، في حالة ما إذا ارتأيتم الاستئناس به، تصوري للقانون التنظيمي للأمازيغية.

توضيحات تخص الحيثيات والغايات:

لا شك أن القانون التنظيمي للأمازيغية، ككل القوانين، لا بد أن يستند إعداده وصياغته إلى مجموعة من الحيثيات والغايات، هي التي ستعلّل إخراجه وتحدد مضمونه ومراميَه. وهذه الحيثيات والغايات تُستخلص من طرح أسئلة حول موضوع القانون المعني، مثل تلك التي تخص الهدف من هذا القانون، وطبيعة المجال الذي ينظّمه، وشروط تطبيقه وتنفيذه، وأحكام الدستور، عند الاقتضاء، في ما يتعلق بذلك الموضوع... وبالرجوع إلى موضوع الأمازيغية، نجد أن الأسئلة التي يطرحها إخراج قانون تنظيمي لها، ونظرا لطبيعتها ووضعها، سوف لا تخرج عن هذه المحاور التالية:

السؤال الأول:

ماذا يطلب منا النص الدستوري الذي يقول: «يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية».
الدستور يطلب منا إذن، عبر القانون التنظيمي، ثلاثة أشياء:

1 ـ تحديد مراحل التفعيل الرسمي للأمازيغية،
2 ـ تحديد كيفيات إدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية،
3 ـ كل ذلك من أجل إعدادها لتقوم مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية.

هذا ما يجب إذن ان يتضمنه القانون التنظيمي حتى يتماشى مع النص الدستوري.

السؤال الثاني:

ما هو الهدف من ترسيم الأمازيغية؟ الهدف هو أن تكون لغة رسمية، أي لغة السلطة والدولة ومؤسساتها، تُقرأ وتُحرر بها الوثائق الرسمية والإدارية. وتحقيق هذا الهدف يتطلب شروطا لا بد أن ينص عليها القانون التنظيمي.

السؤال الثالث:

ما الذي يميز هذه اللغة المنتظر تفعيل رسميتها؟ إنها لغة لم تستفد من التدريس وما يرتبط به من انتشار لاستعمالها الكتابي، وبالتالي فهي ليست بعدُ موحّدة ومعيارية مثل اللغات المدرسية. هذه الحالة المميزة للأمازيغية تتطلب إذن التنصيص على ضرورة توحيدها ومعيرتها حتى تستعمل مستقبلا كلغة رسمية لكل المغرب ولجميع المغاربة.

السؤال الرابع:

ما هو وضعها الاعتباري؟ إنها لغة عانت من الحصار والإقصاء لمدة طويلة، حتى تنكّر لها العديد من أبنائها المغاربة الذين لا زالوا يناوئونها ويحتقرونها، ولا يُبدون ودّا لها. هذا المعطى يفرض إذن التنصيص على حمايتها من الإقصاء، وضمان احترامها بتدريسها للجميع «باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء» ، كما يؤكد الدستور.

عندما نعرف هذه الأجوبة، فسيكون من السهل إذن صياغة قانون تنظيمي للأمازيغية، انطلاقا من هذه الأجوبة لتي تشكّل الحيثيات والغايات التي سيستند إليها القانون المعني، كما سبقت الإشارة.

وكما نلاحظ، فإن الأجوبة الثلاثة الأخيرة، التي تخص مباشرة القانون التنظيمي، تدور كلها حول مسألة التدريس (قراءة وتحرير الوثائق الرسمية، المعيرة والتوحيد، تدريسها للجميع)، الذي هو بيت القصيد في النهوض باللغة الأمازيغية لتقوم بوظيفتها كلغة رسمية. وهو ما نصت عليه الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور عندما أكدت على تحديد «كيفيات إدماجها في مجال التعليم...». 

ولا حاجة للتذكير، السيد رئيس الحكومة المحترم، أن ما سبق أن أُعلن عنه منذ 2003 من الشروع في تدريس الأمازيغية، لم يتحقق منه على أرض الواقع لا الكثير ولا القليل، لأن ذلك التدريس المزعوم كان عبارة عن استخفاف بالأمازيغية وتدريسها، وهو ما جعل هذه اللغة لم تدخل بعدُ، عمليا، المدرسةَ. والدستور نفسه يؤكد ذلك عندما يُلزم بتحديد كيفيات إدماجها في التعليم ضمن القانون التنظيمي، وهو اعتراف أن هذا الإدماج لم يحصل بعدُ.

فهذا القانون التنظيمي للأمازيغية هو إذن، وأولا وقبل كل شيء، قانون إدماجها في التعليم. فما هي عناصر هذا القانون إذا كان الهدف الأول منه هو هذا الإدماج، الذي هو الشرط الأول لتقوم «مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية»، كما جاء في الدستور.

عناصر القانون التنظيمي:

باستحضار هذا الهدف، وبالنظر إلى طبيعة ووضع اللغة الأمازيغية، فإن عناصر القانون التنظيمي تعني شروط إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وهو ما عناه الدستور بتحديد كيفيات إدماجها في مجال التعليم. وعليه، فإن هذه العناصر أو الشروط، لا بد أن تنصب على الجوانب التالية، ذات العلاقة المباشرة بموضوع التدريس: 

1ـ التنصيص على إجبارية تدريس اللغة الأمازيغية بحرفها "تيفيناغ". ويندرج ضمن هذه الإجبارية:

ـ تخصيص غلاف زمني أسبوعي كافٍ وملائم لوضعها كلغة تريد الدولة إخراجها من التهميش لتجعل منها لغة رسمية، 
ـ تمتيعها بمعامل تحفيزي في التنقيط، كتمييز إيجابي يفرضه وضعها الخاص،
ـ إخضاع تدريسها لتتبع جدي ومراقبة صارمة. 

2 ـ وحتى تكون إجباربة تدريس اللغة الأمازيغية جدية وفعّالة، يُنص على وجوب استعمالها تدريجيا كلغة لتدريس بعض المواد. 

3 ـ التنصيص على تدريسها كلغة واحدة وموحّدة. 

4 ـ التنصيص على تعميم هذا التدريس أفقيا (جميع التلاميذ المتمدرسين، وفي جميع مناطق المغرب، وفي جميع المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، بما فيها التعليم الأولي، وكذلك الأطفال المغاربة في المهجر)، وعموديا (جميع المستويات بجميع الأسلاك التعليمية، وبشكل تدرجي حسب تدرج هذه المستويات بدءا من المستوى الأول من التعليم الأولي والابتدائي، مرورا بمستويات التعليم الثانوي (الإعدادي والتأهيلي) ووصولا إلى المستوى النهائي من التعليم بالجامعي). 

5 ـ التنصيص على إنشاء أقسام لتكوين أساتذة اللغة الأمازيغية بمراكز التكوين يستغرق تكوينهم سنتين كاملتين، نظرا لوضعها الخاص كلغة تهيئها الدولة لتكون لغة رسمية لأول مرة. 

6 ـ التنصيص على إنشاء أقسام لتكوين المفتشين التربويين للغة الأمازيغية بمراكز تكوين المفتشين، لاستكمال حلقات السلسلة اللوجيستيكية الضرورية لنجاح عملية تدريس الأمازيغية.

7 ـ التنصيص على شرط إتقان الاستعمال الكتابي للغة الأمازيغية لشغل المناصب العمومية (الوظيفة العمومية) بعد مدة معقولة من انطلاق عملية التدريس الإجباري لها، والتي يمكن تقديرها بخمس عشرة سنة، حتى يخص هذا الشرط فقط المتخرجين الجدد الذين يكونون متمكّنين من الاستعمال الكتابي للأمازيغية بعد أن يكونوا قد درسوها لأكثر من خمس عشرة سنة. وهذا الشرط يدخل في تعريف اللغة الرسمية، إذ لا يُعقل أن موظفا يمثّل الدولة في الإدارة العمومية التي يشتغل بها، وهو يجهل لغة هذه الدولة، فضلا على أنه يحفّز ويشجع على تعلمها وإتقانها، لربطها بالمهام العمومية.

هذه العناصر تحدد إذن كيفيات إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التعليم، تطبيقا لما تنص عليه الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، وتشكّل ضمانات لنجاح تدريس الأمازيغية، الذي هو الشرط الواقف لنجاح التفعيل الرسمي لهذه اللغة، والمتمثل في استعمالها الكتابي في إدارات الدولة ومؤسساتها العمومية. وغياب مثل هذه الضمانات القانونية هو الذي يفسّر لنا إفشال تدريس الأمازيغية الذي لم يعمّر أكثر من سنة.

مراحل التفعيل الرسمي للغة الأمازيغية:

تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لا يقتصر فقط على استعمالها الكتابي في الوثائق الرسمية، الذي يتوقف على تدريس الأمازيغية كما رأينا، وإنما يخص كذلك إدماجها في «مجالات الحياة العامة ذات الأولوية»، كما جاء في النص الدستوري. ولأجل هذا الغرض، واعتبارا لطبيعة ووضع اللغة الأمازيغية وما يحتاج انتشار استعمالها الكتابي من وقت، فإن تفعيل طابعها الرسمي يتطلّب مرحلتين اثنتين:

أولا ـ المرحلة الأولى، وتشمل مستويين:
1ـ مستوى الاستعمال الشفوي للغة الأمازيغية، والذي لا يحتاج لا إلى ميزانية، ولا إلى إعداد ولا تكوين، بل فقط إتاحة الفرصة ـ بل التشجيع على ذلك ـ للمواطنين لاستعمال لغتهم الأمازيغية في مؤسسات الدولة، كالإدارات والمحاكم والبرلمان ومخافر الشرطة... ولضمان هذا الاستعمال للأمازيغية من طرف المواطنين، يجب أن يحثّ القانون التنظيمي السلطات على التدخل عبر إصدارها لمناشير ومذكرات وتعليمات، تلزم المسؤولين بالاستماع إلى مستعملي الأمازيغية بالإدارات العمومية، وقضاء حوائجهم، وعدم نهرهم أو تجاهل طلباتهم. ولا يمكن رفض استعمال الأمازيغية في الإدارات العمومية من طرف المواطنين بذريعة كون الموظف لا يفهم الأمازيغية. فبما أنها لغة رسمية، فالدولة هي المسؤولة عن توفير موظفين يجيدون هذا اللغة، أو تخصيص مصلحة خاصة بالمتحدثين بالأمازيغية بكل إدارة. ولا نعتقد أنه توجد إدارة عمومية في المغرب لا يوجد فيها موظفون يتقنون الأمازيغية.
وتشجيع الاستعمال الشفوي للأمازيغية في الإدارات العمومية ومؤسسات الدولة يساهم، وبلا كلفة مالية:

ـ في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إذ لا يعقل أن تستعمل الدارجة، وهي لغة غير رسمية، وتمنع الأمازيغية وهي لغة رسمية.

ـ في توحيد الأمازيغية، دون انتظار المعيرة المدرسية، لأن استعمال الأمازيغية في الإدارات العمومية، وبجميع المناطق، ستجعل التفاهم ممكنا وسهلا بين مستعملي مختلف فروع اللغة الأمازيغية ممن تكون هي لغتهم الأم. 

ـ في تعلمها من طرف المغاربة غير الناطقين بها، لاحتكاكهم اليومي بها عندما تكون مستعملة بالإدارات العمومية، باعتبارها لغة حية يسهل تعلمها بدون مدرسة. 

2 ـ المستوى الكتابي الرمزي، والذي لا يحتاج هو كذلك إلى ميزانية كبيرة، ولا إلى تكوين يستغرق وقتا كثيرا، وبالتالي يمكن أن تستعمل فيه الأمازيغية كلغة رسمية بشكل فوري ودون تأخير. ويشمل هذا المستوى، الذي يجب أن ينص عليه القانون التنظيمي، كتابة علامات التشوير الطرقي وأسماء المؤسسات العمومية بالأمازيغية (وهو شيء بدأ ينتشر شيئا فشيئا)، وأيضا، وكمرحلة أولى، رأسيات الوثائق الرسمية مثل جواز السفر، بطاقة التعريف الوطنية، البطاقة الرمادية، شهادة السياقة، شهادة الازدياد...، وكذلك النقود والأوراق المالية لبنك المغرب... 

وإذا كانت بعض المدن، كـ"تزنيت" مثلا، قد بادرت إلى كتابة علامات المرور وأسماء المؤسسات بالأمازيغية، فلا يجب، مع ذلك، ترك الأمر لحرية السلطات المحلية والمجالس المنتخبة. بل لا بد للسلطات المركزية أن تصدر تعليمات تأمر فيها باستعمال الأمازيغية في هذا المستوى، مع توفيرها لوثائق رسمية تحمل رأسيات مكتوبة بالأمازيغية، لأن اللغة الرسمية ليست مسألة تخص حرية الأفراد واختياراتهم الإيديولوجية، بل تكتسي طابعا إلزاميا يتطلب تدخل الدولة عند الاقتضاء لرد الأمور إلى نصابها.

ثانيا ـ المرحلة الثانية :
 وتشمل المستوى الكتابي الرسمي الحقيقي، الذي تستعمل فيه اللغة الأمازيغية في إدارات الدولة ومؤسساتها العمومية ومراسلاتها ووثائقها الرسمية، وهو مستوى مرتبط بتدريس الأمازيغية، كما سبق أن أشرنا، مع ما يعنيه ذلك من نشر وتعميم القراءة والكتابة بها، حتى يمكن للموظفين والمسؤولين بالإدارات العمومية الاشتغال باللغة الأمازيغية. وهذا المستوى من الاستعمال الكتابي الرسمي للأمازيغية يتطلب تهييئا لذلك قد يستغرق أزيد من خمس عشرة سنة، كما أوضحنا، وهو ما أشارت إليه الفقرة الخاصة بالقانون التنظيمي في الفصل الخامس من الدستور، والتي تقول: «وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية».

ومع ذلك فإن الشروع في الاستعمال الكتابي للغة الأمازيغية كلغة رسمية يجب أن ينطلق بمجرد صدور القانون التنظيمي، وبطريقة، طبعا، جزئية وتدريجية حسب توفر التمكّن من قراءة وكتابة الأمازيغية، إلى أن يتخرج الفوج الأول من المتقنين للاستعمال الكتابي للأمازيغية، الذين يكونون قد درسوها لما يزيد عن خمس عشرة سنة، كما سبق بيان ذلك. 

عوامل مصاحية:

وأخيرا، لن ينجح النهوض بالأمازيغية لجعلها حقا لغة رسمية من دون تغيير الدولة لسياستها العامة تجاه الأمازيغية، مع ما يستدعي ذلك من إجراءات مصاحبة لتفعيلها الرسمي، ترمي، وبتدخل وتخطيط من السلطات، إلى إشاعة قيم اعتزاز المغاربة بأمازيغيتهم، ونشر الوعي أن تبخيسها وتحقيرها، هما تبخيس وتحقير لذواتهم، وأن إكبارها والرفع منها هما إكبار لأنفسهم ورفع منها.

ذلك أن أشد إقصاء تعاني منه الأمازيغية هو المتمثّل في الذهنية الأمازيغوفوبية التي تكونت لدى العديد من المغاربة تجاه أمازيغيتهم، بفعل ما غرسته فيهم المدرسة من نظرة تحقيريه وإقصائية إلى لغتهم الأمازيغية. ولهذا فنجاح تفعيل ترسيمها، يتوقف في جزء منه على إعادة النظر في الكثير من البرامج المدرسية، وخصوصا ما يتعلق منها بالتاريخ، والعمل، كذلك، على الفصل بين التعريب وبين نشر العربية كلغة، وليس كإيديولوجيا تستعمل للتعريب العرقي والهوياتي والسياسي للمغاربة، والذي لا علاقة له بحماية وتنمية اللغة العربية.