الأمازيغية والموقف السلبي للمثقفين المغاربة المستعربين ... بقلم الأستاد محمد بودهان

* هذا المقال هو مداخلة شارك بها الاستاذ محمد بودهان في ندوة "منظمة تويزا" بطنجة يوم 12 غشت 2017 حول موضوع: "الحاجة إلى المثقف". ونذكر القارئ أن العنوان الاصلي للمقال كان : الأمازيغية والمثقفون المغاربة .

نص المقال : 
قد لا نحتاج إلى كثير من التحليل والاستدلال لتبيان أن المثقفين المغاربة، باستثناء المنتمين منهم إلى الحركة الأمازيغية، لا يكنّون ودا للأمازيغية. فعندما لا يعادونها بشكل صريح ومكشوف، فهم، في أحسن الأحوال، يتجاهلونها ولا يساندون مطالبها. 

هذا الموقف السلبي من الأمازيغية، والذي هو متخلّف حتى عن موقف الدولة، قد يبدو غريبا وحتى شاذا، إذا عرفنا أن المنتظر من المثقف هو وقوفه بجانب القضايا العادلة، ودعمه للحقوق المهضومة، ودفاعه عن التعددية، ومعارضته للتوجهات الواحدية في الفكر والثقافة واللغة والسياسة والدين. 



فكيف نفسّر هذا الخذلان للأمازيغية من طرف عدد كبير من المثقفين المغاربة؟
قد نجد الجواب في طبيعة ونوع المرجعية، الفكرية والثقافية والسياسية والإيديولوجية، التي ربما منها يمتح هؤلاء المثقفون جفاءهم للأمازيغية. فما هي هذه المرجعية؟

مرجعية "الحركة الوطنية": 
تتمثل هذه المرجعية في "الحركة الوطنية"، التي باتت تشكّل الإطار المرجعي للتفكير في الأمازيغية وتمثّلها. وما علاقة "الحركة الوطنية" بالموقف السلبي للمثقفين من الأمازيغية؟ سنعرف الجواب عندما نعرف كيف ولماذا نشأت هذه الحركة في ثلاثينيات القرن الماضي. 

لقد قامت، كأحد أهم أسباب ميلادها، على العداء للأمازيغية، وذلك باختلاقها لأسطورة "الظهير البربري"، والتي هي أسطورة مؤسسة لهذه الحركة ومؤسسة في نفس الوقت لشيطنة الأمازيغية، التي جعلت منها هذه الأسطورة خطيئة أصلية جديدة Péché originel، وذلك بربطها بالاستعمار، والخيانة، والغدر، والفتنة، والانفصال، والتفرقة، والعنصرية، والردّة، ومحاربة العروبة والإسلام... 

وهو ما أدّى تكراره وتداوله، ونشره وانتشاره، وترسيخه وتدوينه وتدريسه وتحفيظه، والتأكيد عليه والتذكير به، إلى اكتساب هذه النظرة التخوينية والتحقيرية العدائية إلى الأمازيغية وضعَ قناعة بديهية لا تُناقش ككل البديهيات، مع ما نتج عن ذلك من تكوّن نوع من اللاشعور الجمعي الوطني، المعادي للأمازيغية، أضحت معه محاربتها جهادا ونضالا وطنيا لأن ذلك يعني محاربة مخلفات الاستعمار، والخيانة والغدر والفتنة، والانفصال والتفرقة والعنصرية والردة، بعد أن أصبحت الأمازيغية ترتبط في الأذهان بهذه الشرور التي ألصقتها بها أسطورة "الظهير البربري"... وهذا اللاشعور الجمعي الوطني، المعادي للأمازيغية، لا زال هو المحدّد للمواقف الأمازيغوفوبية للنخبة المثقفة وللطبقة السياسية بالمغرب.

ولأن هذه المرجعية المعادية للأمازيغية مترسخة كثقافة لاشعورية، ومتأصلة كقناعة بديهية لا تناقش، فلذلك ليس من السهل على المثقف التخلص منها، مهما كان حرا ومستقلا ومجددا، وحتى ناقدا للحركة الوطنية ورافضا للكثير من أطروحاتها. من جهة أخرى، أدّى ترسيخ وانتشار هذه الثقافة الأمازيغوفوبية، منذ أسطورة "الظهير البربري"، وفي شكلها اللاشعوري والبديهي الذي لا يناقش، إلى نوع من التطبيع معها، مما يجعل المواقف المناوئة للأمازيغية، التي تصدر عن المثقفين، تبدو شيئا عاديا لا يشعر معها المثقف أن موقفه مجحف في حق الأمازيغية، أو مجانب للصواب، أو مخالف للحق والحقيقة. 

هكذا أصبحت هذه المرجعية المعادية للأمازيغية، كثقافة لاشعورية وقناعة بديهية، بمثابة "إبستيمي" épistémè ، أي نظام معرفي، به نفكّر في الأمازيغية ونفهمها ونتمثّلها ونحلّلها.

 وهذا ما يفسّر أن الكثير من المثقفين والإعلاميين المغاربة، مثل: بنسالم حميش، عبد الإله بلقزيز، هشام العلوي (ابن عم الملك)، علال الأزهر، فؤاد بوعلي، كمال عبد اللطيف، إدريس جنداري، عبد القادر الفاسي الفهري، أحمد الريسوني، الراحل عبد الوهاب بنمنصور، الراحل عبد السلام ياسين، نور الدين أفاية، عبد الصمد بلكبير، أبو زيد المقرئ الإدريسي، عبّاس الجيراري، الراحل محمد عابد الجابري، مصطفى العلوي (مدير "الأسبوع")، الراحل عبد الكريم غلاب...، وعشرات الآخرين، عندما يناقشون قضايا سياسية وفكرية وتاريخية ودينية، يحللونها بكثير من المنطق والموضوعية والمنهجية العلمية.

 لكن بمجرد ما يكون الموضوع هو الأمازيغية، يغيب لديهم ذلك المنطق وتلك الموضوعية وتلك المنهجية العلمية، ليحلّ مكان كل ذلك "الظهيرُ البربري"، الذي يعود هو المنطق الوحيد الذي تحاكَم به الأمازيغية، سواء كانت الإحالة عليه صريحة، أو كانت ضمنية باستعمال لغته ومفاهيمه، مثل: الانفصال، الفتنة، التفرقة، التفتيت، تشظي الهوية الوطنية، عودة المشروع الاستعماري، مؤامرة صهيونية ضد الإسلام والوطن، خدمة أجندات أجنبية معادية، حرب أهلية عرقية مثل التي اندلعت ما بين "الهوتو" و"التوتسي" برواندا...، إلى آخر القاموس الأمازيغوفوبي المهوّل والمنفّر من الأمازيغية. 

وتكفي العودة إلى النقاش الذي صاحب موضوع ترسيم الأمازيغية في 2011، لنلمس حجم الحملة الأمازيغوفوبية التي تصدّى بها لهذا الترسيم مجموعة من الكتاب والإعلاميين، مستعملين، لتبرير رفضهم لترسيم الأمازيغية، وكترديد جديد "للطيف" الشهير، نفس "الحجج" المنتمية إلى "أدبيات" أسطورة "الظهير البربري". الشيء الذي يؤكد أن هذا الأسطورة، التي اختلقتها الحركة الوطنية اختلاقا، لا تزال، كما سبق أن شرحت، تشكّل المرجع الفكري والثقافي والسياسي والإيديولوجي، المعتمد للتفكير في الأمازيغية لدى عدد كبير من المثقفين المغاربة. 

دور سياسة التعريب :
وإذا أضفنا إلى هذا الحضور القوي لمرجعية "الظهير البربري" "للحركة الوطنية"، سياسةَ التعريب التي تنهجها الدولة، سنخلُص إلى أن السؤال الذي يجب أن يُطرح، بخصوص علاقة المثقفين بالأمازيغية، ليس هو: لماذا لا يحبّ العديد من المثقفين الأمازيغية، بل: لماذا لا زال هناك مغاربة يحبّونها ويدافعون عنها؟ 

وهنا لا بد من التوضيح أن التعريب، المدمّر للأمازيغية، بدأه بشمال إفريقيا، ليس العرب كما هو شائع، بل بدأه ومارسه أجدادنا الأمازيغ عندما تخلّى العديد منهم عن انتمائهم الأمازيغي ولغتهم الأمازيغية رغبة منهم، لأسباب دينية وسياسية واجتماعية، في التحوّل إلى عرب ـ لنحتفظ جيدا بلفظ "التحوّل".

 ولتحقيق هذا الهدف التعريبي التحويلي، انتحلوا، أولا، النسب العربي حتى تكون لهم أصول عرقية عربية مثل العرب الحقيقيين، وصنعوا، ثانيا، ما اعتبروه لغة عربية حتى يظهروا كمتحدثين بالعربية كما يفعل العرب الحقيقيون. هذه العربية هي ما نسميه الدارجة، والتي هي لغة تتشكل من معجم عربي لكن بمعانٍ وتراكيب أمازيغية، مما يقوم دليلا قاطعا على أن أول من استعمل الدارجة لا يمكن أن يكون إلا أمازيغيا. 

ونظرا للدوافع التي كانت وراء انطلاق عملية التعريب عند الأمازيغ، وهي الرغبة في تحوّلهم إلى عرب، فإن الهدف من هذا التعريب لم يكن إذن هو تعلّم واستعمال اللغة العربية، أي لم يكن هو تعريب اللسان بل تعريب الإنسان. 

ولهذا اتخذ هذا التعريب شكل تحوّل جنسي، أي قومي وهوياتي، لأن هدفه كان ـ ولا يزال ـ هو تغيير الجنس الأمازيغي إلى جنس عربي، كما أراد ذلك الأمازيغ، لأسباب دينية وسياسية واجتماعية، كما أشرت. 

هذا التعريب، في شكله التحويلي، سيتوسّع وينمو ويتطوّر مع مرور الأيام، لأسباب دينية وسياسية واجتماعية دائما، وسيُتوارث جيلا بعد جيل، إلى أن أصبح ملايين المغاربة يعتقدون أنهم عرب، لأنهم ينتمون، أولا، إلى أسر ذات نسب عربي، مع أن هذا النسب اختلقه أجدادهم الأمازيغ، ويتكلمون، ثانيا، ما يظنّونه لغة عربية (الدارجة)، مع أن هذه "العربية" صنعها الأمازيغ وليس العرب الحقيقيون. 

فالمفارقة العجيبة، الخارقة لقواعد المنطق والمعقولية، والتي تخص تعريب المغاربة، هي أن العروبة، المفترضة للملايين من هؤلاء المغاربة، ورثوها عن أجدادهم الأمازيغ وليس عن العرب الحقيقيين. 

ثم جاءت دولة الاستقلال فجعلت من التعريب، أي التحوّل الجنسي، الذي كان قبل 1912 اختياريا ومقصورا على أشخاص وعائلات وقبائل، ممارسة إجبارية وقضية تهم كل الشعب وكل الأمة، وذلك عندما تبنّته كسياسة عمومية للدولة، تعبّئ لها كل مواردها وترصد لها ميزانية ضخمة من المال العام. 

وقد خلق هذا التعريب التحويلي، بعد أن أصبح سياسة للدولة، هو كذلك، مثل أسطورة "الظهير البربري"، وبفضل استغلال المدرسة والإعلام ومؤسسات الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات لفرضه وتعميمه، مخيالا جمعيا وطنيا يُتصور فيه المغرب كمجرد امتداد هوياتي وثقافي للمشرق العربي، والأمازيغية كمجرد مؤامرة استعمارية وصليبية جاء بها "الظهير البربري" وأفشلتها "الحركة الوطنية". وهنا يلتقي ويتكامل التعريب مع أسطورة "الظهير البربري". 

فإذا كانت هذه الأخيرة، بشيطنتها للأمازيغية، قد جعلت منها، كما سبقت الإشارة، نوعا من الخطيئة الأصلية، بمفهومها المسيحي، فإن التعريب التحويلي، هو بمثابة "الخلاص" ـ بمفهومه المسيحي كذلك أو "التوبة" بالمفهوم الإسلامي ـ للأمازيغيين، الذين يكفّرون به عن "خطيئة" انتمائهم الأمازيغي، وذلك بتنكّرهم لهذا الانتماء وتحوّلهم إلى عرب، واعتناقهم للعروبة، التي عليهم أن يشكروها لأنها خلّصتهم من "خطيئة" أمازيغيتهم. وهنا تصبح محاربة الأمازيغية تعني، كذلك، محاربة "الخطيئة" ومحو "ذنب" الانتساب إلى الجنس الأمازيغي. 

وهو محو لن يتحقّق إلا بمحو الأمازيغية نفسها، وبتبني العروبة هوية وانتماء ونسبا. وهذا ما يفسّر تمجيد المثقفين المغاربة لما هو عربي مشرقي وافد، لأنه بمثابة "المكفّر" عن "ذنوب" المغاربة بسبب أصلهم الأمازيغي، مقابل احتقار هؤلاء المثقفين لما هو أمازيغي أصيل، ومعارضتهم لأي نهوض بالأمازيغية لأن ذلك يعني "تماديا" في "الخطيئة"، ورفضا للتوبة التي يمثّلها القطع مع الجنس الأمازيغي والتحول إلى جنس عربي. 

ولهذا نجد أن مفكرين مغاربة مشهورين، مثل علال الفاسي ومحمد عابد الجابري وعبد الهادي التازي، رحمهم الله جميعا، جعلوا من قتل الأمازيغية باسم التعريب عملا وطنيا به يستكمل المغرب استقلاله ويستعيد سيادته. وهذا موقف يعبّر في الحقيقة عن منتهى الاستلاب، حتى لا أقول اللاوطنية، إذ كيف يندرج ضمن العمل الوطني قتل ما يشكل روح هذا الوطن وهو أمازيغيته؟ وكيف يكون تكريس التبعية الهوياتية والثقافية للمشرق العربي، باسم التعريب، استقلالا وسيادة؟ 

متى يفعل المثقفون المغاربة مثل كاتب ياسين؟
هكذا يساهم المثقفون المغاربة في التعريب التحويلي للمغاربة وفي تهميش الأمازيغية، نظرا لدورهم التربوي والتثقيفي والفكري، الذي من خلاله تنتشر مواقفهم السلبية حول الأمازيغية. 

ولهذا فلا يمكن أن تتقدم القضية الأمازيغية كثيرا إلى الأمام، وبالسرعة المطلوبة، إلا إذا دعمها المثقفون وتبنوا مطالبها. وهو ما يشترط استعادتهم للوعي بهويتهم الأمازيغية، التي هي هوية جميع المغاربة، سواء كانوا ناطقين بالأمازيغية أو الدارجة. ولدينا خير مثال على هذا الوعي المستعاد لدى مثقف عربفوني، كان يعتبر نفسه عربيا قبل أن يقتنع أنه أمازيغي.

 هذا المثقف هو كاتب ياسين الجزائري، الذي ينتمي إلى أسرة عربوفونية كانت تؤمن أنها عربية، وربّته على أنه عربي، وتعلّم في المدرسة أن أعداء الأمة هم الأمازيغ واليهود، فتكوّن لديه حقد شديد على الأمازيغيين، حتى أنه كان يُنشد، هو وأصدقاؤه، هجاء محفوظا يشتمون به كل قبائلي يصادفونه في طريقهم، مردّدين: "لقبايل توس توس القملة كد الفلوس" = جميع القبايلين ذوو قمّل بحجم صغار الدجاج. كل شيء كان يهيئ إذن هذا المثقف لأن يكون أحد كبار الأمازيغوفوبيين.

 لكنه سيكتشف، بقراءته النقدية للتاريخ وإعادته النظر في الكثير من البديهيات الكاذبة حول عروبة شمال إفريقيا ـ وهذه هي مهمة المثقف الحقيقي ـ، أنه أمازيغي مثل جميع الجزائريين ومثل جميع سكان شمال إفريقيا، وأن العروبة بشمال إفريقيا ليست إلا زيفا وانتحالا للصفة، ومنتوجا إيديولوجيا صنعه الدين والسياسة، وساهم فيه الأمازيغيون أنفسهم قبل غيرهم.

 فتحوّل إلى مدافع شرس عن الأمازيغية، علما أنه لم يكن يتقن اللغة الأمازيغية، واحتفى بالشخصيات التاريخية الأمازيغية، مثل "ديهيا" التي خصّها بمسرحيته الرائعة: "حرب المئة عام"، وأطلق عل ابنه اسم "أمازيغ" في 1972 تيمّنا بالأمازيغية وتكريما لها، وفي وقت لم تكن فيه بعدُ حركة ولا مطالب أمازيغية. 

فما تحتاجه اليوم الأمازيغية، ليس أن يدافع عنها فقط المثقفون الناطقون بها، مثل عبد ربه محمد بودهان وأحمد عصيد ومحمد الشامي ومحمد شفيق وإد بلقاسم ومبارك بولكيد...، بل أن يدافع عنها كل المغاربة والمثقفين الناطقين بالدارجة، بعد أن يقطعوا مع الوعي الزائف ويستردوا الوعي السليم بأنهم أمازيغيون، كما فعل كاتب ياسين. فمتى سيفعل المثقفون المغاربة مثل المثقف الجزائري كاتب ياسين؟ 

الشعب المغربي يتجاوز المثقفين بخصوص الأمازيغية:
يمكن القول إن هناك اليوم بداية لاستعادة الشعب المغربي، متجاوِزا بذلك المثقفين المشغولين بهمومهم العروبية القومية، للوعي بهويته الأمازيغية، ولو بشكل محتشم ومتردد، كما يبدو ذلك في تعبير المغاربة عن هذا الوعي بمصطلح "تمغربيت" بدل "الأمازيغية". 

لكن ماذا عسى أن تعني هذه الـ"تمغربيت"، التي ليس من محض الصدفة أنها صيغت في قالب نحوي أمازيغي، إن لم تكن تعني الأمازيغية؟ فإذا كانت "تمغربيت" يُقصد بها الخصوصية التي تميّز المغرب، فهذه الخصوصية لا يمكن أن تكون هي العروبة، التي هي خصوصية تميّز بلدان المشرق العربي. خصوصية المغرب هي إذن أمازيغيته التي تنفرد بها منطقة شمال إفريقيا، التي ينتمي إليها المغرب. 

وقد رأينا كيف تضامن المغاربة من مختلف المناطق مع حراك الريف، الذي لا يخفى على أحد بُعده الأمازيغي، الذي أطّر مطالبه الاجتماعية ولاقتصادية والحقوقية والثقافية. ومما يؤكد هذا البعد الأمازيغي للحراك هو أن جميع نشطائه هم في نفس الوقت نشطاء في الحركة الأمازيغية، وعلى رأسهم قائد الحراك ناصر الزفزافي، فكّ الله أسره وأسر جميع المعتقلين. 

ولهذا نلاحظ أن السلطات المخزنية استخدمت، لشيطنة حراك الريف والتحريض عليه، "سلاح" أسطورة "الظهير البربري"، المتمثّل هو تهمة "الانفصال" و"الفتنة"، واستعملت لذلك المساجد كما فعل أصحاب "اللطيف" في صيف 1930. لكن المغاربة كانوا أذكى فتضامنوا مع الحراك، معبّرين بذلك عن تضامنهم أيضا، ولو بطريق غير مباشر، مع الأمازيغية ومطالبها.

الحاجة إلى حركات إسلامية حقيقية تدافع عن الأمازيغية:
من جهة أخرى، تحتاج الأمازيغية، فضلا عن مثقفين واعين بالهوية الأمازيغية للمغرب، معتزين بها ومدافعين عنها، (تحتاج) حركات إسلامية حقيقية. أقول "حقيقية" لأن ما يعتبر اليوم في المغرب حركات إسلامية ليست سوى حركات تعريبية، تستعمل الإسلام كوسيلة فقط من أجل الغاية التي هي عروبة المغرب. ولهذا فهدفها ليس هو تطبيق شرع الله، كما تدّعى، وإنما هو تطبيق شرع العروبة. وإلا فكيف نفسّر دفاعها المستميت عن التعريب لو كان هدفها هو الإسلام، الذي لا يدعو إلى تعريب الشعوب ولا إلى تغيير هوياتها؟ ستكون هذه الحركات إسلامية عندما ستدافع عن الإسلام لكن في إطار الهوية الأمازيغية الشمال إفريقية للمغرب، على غرار الحركات الإسلامية، مثلا، في تركيا وإيران وأندونيسا وباكستان...

ولهذا فليست السلطة السياسية وحدها المسؤولة عن تهميش الأمازيغية. فدور المثقفين والإسلاميين في هذا التهميش كبير، وقد يفوق حتى دور الدولة، كما سبقت الإشارة. وهو دور حاضر وفاعل حتى عندما لا يعارضون الأمازيغية بشكل ظاهر وعلني، لأن معارضة الأمازيغية لا تكون اليوم بالفعل بل بعدم الفعل. أي لا تكون بالتدخل المباشر لمنعها وقمعها، بل تكون بعدم التدخل للدفاع عنها والمطالبة بالنهوض بها. 

* هذا المقال هو مداخلة شارك بها صاحبه في ندوة "منظمة تويزا" بطنجة يوم 12 غشت 2017 حول موضوع: "الحاجة إلى المثقف". ونذكر القارئ أن العنوان الاصلي للمقال كان : الأمازيغية والمثقفون المغاربة .