أمازيغ الجزائر من الربيع الأمازيغي إلى الحراك الشعبي وأربعون سنة من النضال المستميت من اجل الحقوق

تعرف منطقة القبائل الأمازيغية التي انطلق منها الحراك في الجزائر بطبيعتها المتمردة منذ عشرات السنين، بدءاً من تمرد عام 1963، مروراً بـ"الربيع الأمازيغي" عام 1980 والربيع الأسود عام 2001، وحتى حراك 2019.

وتقف منطقة القبائل التي تضم قرى ومدناً ذات كثافة سكانية أمازيغية وتقع شرق الجزائر العاصمة، في طليعة النضال من أجل  الهوية واللغة الأمازيغية منذ ستينات القرن الماضي. و تم إنكار هذه الهوية لفترة طويلة لا بل قمعها من قبل الدولة الجزائرية التي قامت على الهوية العربية وإقصاء الهوية الأمازيغية الأصلية للبلاد.

أمازيغ الجزائر واربعون سنة من النضال من اجل الحقوق

أمازيغ الجزائر

جذور النضال الأمازيغي في الجزئر

في العام 1963، بعد عام على الاستقلال، أسس النائب الأمازيغي وأحد قادة حرب الاستقلال حسين آيت أحمد، المتمرد على سلطة أحمد بن بلة وهواري بومدين، جبهة القوى الاشتراكية، التي دافعت عن اللغة و الهوية الأمازيغية والديمقراطية بعدما تم اقصائها عمدا مباشرة بعد الاستقلال واعتبار الجزائر بلدا عربيا ضدا عن التاريخ والواقع  تطبيقا للإديولوجية للقومية العربية القادمة من المشرق . وشنّ تمرداً مسلحاً عن السلطة في منطقة القبائل، فقمعته السلطة المتعصبة للعروبة بشدة واتهمت مقاتلي جبهة القوى الاشتراكية بـ "الانفصالية".

 الربيع الأمازيغي (1980)

الربيع الامازيغي 1980


في 1980، كان منع  إلقاء محاضرة حول الادب والشعر الأمازيغي القديم  للباحث الأمازيغي مولود معمري، شرارة اندلاع احداث "الربيع الأمازيغي"، وهو سلسلة من التظاهرات والإضرابات في منطقة القبائل والجزائر العاصمة استمرت عدة أسابيع  للاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغية رسميا. وهي المظاهرات التي قمعتها السلطات المتعصبة للعروبة بوحشية و اقتحمت قوات الأمن خلالها حرم جامعة تيزي وزو أهم مدن منطقة القبائل الكبرى، وأصيب العشرات من الطلاب بجروح خطيرات وتم اعتقال العشرات منهم تعسفا لمجرد رفعهم مطالب الاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغية .


اعتباراً من العام 1988 ومع الاعتراف بالتعددية السياسية، أظهرت السلطة بعض التسامح مع "الحركة الثقافية الأمازيغية" التي قادت الحركات الاحتجاجية، وفي العام التالي، أسس سعيد سعدي مع مناضلين من هذه الحركة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو حزب علماني معارض.

في ربيع العام 1995، في خضم الحرب الأهلية، دعت الحركة الامازيغية إلى مقاطعة الدراسة. فاندلعت تظاهرات حاشدة وإضرابات عامة في منطقة القبائل "من أجل الثقافة الأمازيغية وضد الإرهاب".

اغتيال المناضل الأمازيغي القوي معتوب لوناس (1998)

معطوب لوناس
متظاهرون يحملون صورة المناضل الامازيغي المغتال معتوب لوناس


في سنة 1998 تم اغتيال  المناضل الأمازيغي معطوب لوناس بسبب  نضاله القوي ضد النظام الديكتاتوري العروبي، وهو احد اكبر المناضين الامازيغ  بالجزائر سنوات القمع والرصاص، وقد وتسبب اغتياله  في قيام مظاهرات عارمة و احتجاج كبرى في القبايل و الجزائر أدت إلى مواجهات عنيفة بين قوات الأمن وعشرات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين الذين اتهموا النظام  والمخابرات الجزائرية باغتياله من اجل إسكات صوته القوي و المزعج لهم، لكن رغم اغتيال معتوب لوناس بقي صوته وفكره  مجلجلا ونضاله حيا مدويا.


الربيع الأسود (2001)

الربيع الامازيغي الجزائر
خلف القمع الوحشي للاجتجاجات على اغتيال الطالب ماسنيسا قرماج عشرات القتلى 

في 18 نيسان/أبريل 2001، أصيب طالب في المرحلة الثانوية يبلغ من العمر 18 عاماً، ويدعى ماسينيسا قرماح، بجروح خطيرة جراء إطلاق النار عليه من سلاح كلاشينكوف في مقر الدرك الوطني في بني دوالة، وهي بلدة جبلية بالقرب من تيزي وزو، شرق الجزائر العاصمة. وكان قرماح أوقف بعد مشاجرة عادية بين الشباب والدرك. وتوفي بعد يومين، بالتزامن مع ذكرى "الربيع الأمازيغي" في 20 نيسان/أبريل 1980، عندما قامت السلطات بقمع المظاهرات المؤيدة للأمازيغية بطريقة وحشية، فاندلعت أعمال شغب أشعلت المنطقة. وانتشرت أعمال الشغب، التي غذاها السخط الاجتماعي، في كل منطقة القبائل ثم مناطق أخرى من الشرق، ولا سيما في الأوراس.

ونزل السكان إلى الشوارع للمطالبة بإغلاق مقرات الدرك الوطني في المنطقة. وتحولت المظاهرات إلى أعمال شغب، ثم مواجهات مع قوات الأمن التي أطلق عناصرها الرصاص الحي.

ادى اغتيال الطالب الامازيغي ماسينسا قرماج  في مخفر الدرك الى أعمال احتجاجية دامية التي اندلعت في ما اصطلح عليه بـ "الربيع الأسود" في نيسان/أبريل 2001 في منطقة القبائل في شمال شرق الجزائر وسقط خلال الاحتجاجا عشرات القتلى والجرى بفعل القمع الوحشي للنظام الديكتاتورية الجزائري الذي استخدم الرصاص الحي في قمع المسيرات الاحتجاجية السلمية، وشهد الأمازيغ بعد تلك الانتفاضة  تلبية بعض مطالبهم المتعلقة بالهوية من أجل تهدئتهم. وهم  لذلك يشاركون اليوم  بقوة في الحراك الشعبي حتى لا تتكرر المأساة.

البعد السياسي والإجتماعي للقضية الأمازيغية

أصبحت لجان القرى (العروش) في منطقة القبائل في مقدمة الحركة الاحتجاجية. فنجحت، من خلال خلق "تنسيقية"، في حشد مئات الآلاف في مسيرة في  21 أيار/مايو في تيزي وزو وفي 14 حزيران/يونيو في الجزائر العاصمة.

وأسفر قمع المظاهرات السلمية، عن 126 قتيلاً وآلاف الجرحى، بُعداً سياسياً واجتماعياً لقضية الهوية الأمازيغية بجوهرها الثقافي منذ عام 1980 بالجزائر.

في 29 تموز/يوليو، خلصت لجنة تحقيق وطنية إلى أن الدرك كان مسؤولاً عن بدء أعمال الشغب وقمعها. وجاء في تقرير اللجنة أن "العنف المسجل ضد المدنيين هو عنف حرب باستخدام ذخائر الحرب".

وقرر الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة - الذي انتخب قبل عامين من ذلك على أساس تعهّده إحلال السلام في البلد تشكيل لجنة تحقيق، وعهد برئاستها إلى الخبير القانوني محند إسعد، وهو من منطقة القبائل.


الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في الدستور (2002)

في 12 آذار/مارس 2002، أعلن بوتفليقة أنه قرر "تضمين تعديل الدستور مادة تعترف بالأمازيغية كلغة وطنية دون أي هدف إلا لخدمة الوطن والمصلحة الوطنية". وفي 8 نيسان/أبريل، اعترف البرلمان بالأمازيغية كلغة وطنية ثانية إلى جانب اللغة العربية، تتويجاً لنضال استمر قرابة 40 عاماً في منطقة القبائل.
في 7 شباط/فبراير 2016، صادق البرلمان بأغلبية ساحقة على مراجعة جديدة للدستور نصت على أن الأمازيغية هي الآن "لغة رسمية" بينما اللغة العربية "هي اللغة الوطنية والرسمية" و "تظل اللغة الرسمية للدولة".

 في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2017، تظاهر مئات الطلاب لمدة أسبوع في عدة مدن، خاصة في منطقة القبائل، بعد رفض تعديل برلماني ينص على "تعميم تدريس الأمازيغية في جميع المدارس الحكومية والخاصة" في الجزائر مع إضفاء الطابع "الإجباري" على القرار.

الاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية (2018)

وفي 12 كانون الثاني/ يناير 2018، احتفلت الجزائر رسميا بـ "ينّاير"، رأس السنة الأمازيغية الجديدة،  التي أُعلنت يوم عطلة نهاية عام 2017، لأول مرة في بلد في شمال إفريقيا موطن الأمازيغ. 

وفي 30 نيسان/أبريل، صوت النواب لصالح إضافتها إلى قائمة الأعياد الوطنية، وبذلك أصبح يوم 12 كانون الثاني/يناير عطلة مدفوعة الأجر.

مناسبة رأس السنة الأمازيغية "ينّاير"، أصبح يتم الاحتفال بها لفترة طويلة في الجزائر - لا سيما في المناطق الناطقة باللغة الأمازيغية، حيث كان هذا اليوم عطلة بحكم الأمر الواقع - لكن الرئيس بوتفليقة أعطاها طابعاً رسمياً، حيث أعلن أنه يوم عطلة في الجزائر "لتوطيد الوحدة الوطنية" بعدما كان من قبل يتم التنكر لها رسميا  بعدم اعتبارها عيدا وطنيا.

حراك شعبي غير مسبوق (1019)

حراك الجزائر اعلام امازيغية
انطلقت شرارة الحرك الجزائري بمطقة القبايل الامازيغية شمال الجزائر


في 16 شباط/ فبراير 2019، تجمع بشكل عفوي آلاف المتظاهرين المعارضين لولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة في خراطة بولاية بجاية في منطقة القبائل. في 22 شباط/فبراير، امتد الاحتجاج إلى الجزائر العاصمة، ثم إلى بقية البلاد، حتى تحول إلى حركة شعبية غير مسبوقة، عُرفت بالحراك تطالب بـ"تفكيك النظام" القائم منذ الاستقلال عام 1962. حشد الحراك السلمي الناس بقوة في منطقة القبائل المتمردة بطبيعتها، وسيُحكم على عشرات المتظاهرين بالسجن بتهمة رفع الراية الأمازيغية، التي منعها الجيش في المسيرات. لكن الراية لم تختف تماماً.

 تم اعتقال ومحاكمة عشرات الاشخاص في الحراك  بالجزائر بتهمة رفع الراية الأمازيغية والنيابة تطالب بسجنهم 10 سنوات

وتعد منطقة القبائل موطناً لأكبر عدد من الأمازيغ في الجزائر التي تضم نحو 10 ملايين ناطق باللغة الأمازيغية، ما يعادل ربع السكان وهم القبائل، والمزابيون في وادي ميزاب (في الوسط)، والشاوية في الأوراس (الشرق) أو الطوارق (جنوب).

والأمأزيغ، الذين يسمون أنفسهم في لغتهم  "إيمازيغن Imazighn"، والأمازيغي  يعني في لغتهم "الرجل الحر"، هم من سكان شمال إفريقيا الأصليون. ويتواجد الأمازيغ أيضا بكثافة في المغرب وتونس ولبيبا ومالي والنيجير، وتعتبر منطقة شمال افريقيا وطنهم التاريخي الأصلي الذي يمتد من جزر الكناري غربا الى وواحة سيوة المصرية شرقا، ومن سواحل البحر الأبيض المتوسط شمالا الى أقاصي الصحراء الكبرى جنوبا، وشهدت الثقافة و اللغة الامازيغية  تدهورا كبيرا وتراجعا مستمرا منذ القرن السابع بعد الغزاوت الإسلامية وحملات التعريب الايديولوجية التي نهجتها الانظمة الديكتاتورية الحاكمة المتعصبة للعروبة والمتشبعة بإيديولوجية القومية العربية التي تسعى لمحو وطمس كل الثقافات واللغات غير العربية من  بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا من اجل تأسيس ما يسمى "الوطن العربي الكبير" من المحيط الى الخليج!!!.