أول طيار حربي بالمغرب وإفريقيا كان أمازيغيا .. حدو بن حمو لكحل


ولد الطيار الأمازيغي حدو بن حمو لكحل البقيوي Haddou Lakhal سنة 1888 بقرية إزمورن الأمازيغية بالريف بأقليم الحسيمة، شمال المغرب، وهو من قبيلة إبقوين، وقد كان منذ طفولته طفلا ذكيا وشجاعا وكان كثير الحركة. ورغم أنه لم يكن متعلما، حيث لم تتح له الفرصة للدخول الى المدارس  لانعدامها بمسقط رأسه حينذاك ، إلا انه كان متمكنا من اللغة الامازيغية  والعربية والاسبانية والفرنسية...

انتقل حدو لكحل البقيوي في شبابه المبكر الى الجزائر، التي كانت محتلة آنذاك من قبل الفرنسيين، وأقام العديد من الصلات والعلاقات مع التجار الفرنسيين الذين إرتاحو له واعجبو بذكائه ومهارته، فتعلم سياقة السيارات فأتقنها ثم تعلم قيادات الطائرات الحربية الصغيرة على يد الفرنسيين وتمكن منها، وبالموازة مع  ذلك اشتغل في التجارة بين المغرب والجزائر فكون ثروة كبيرة وفتح  أول مقهى خاص به في الجزائر سماه "مقهى القراصنة"، وذالك لولعه الكبير بقصص القراصنة والجهاد البحري...

حدو بن حمو لكحل البقيوي Haddou Lakhal


ثم نمّى تجارته مع الفرنسيين لدرجة أنه فتح مكتب تجاري في وجدة المغربية وعين فيه احد أصدقائه الجزائريين وأمام هذا الأمر أصيبت اسبانيا بالقلق من تحركات حدو لكحل التي اعتقدت أن هاته التحركات موجهة ضدها بإيعاز من الفرنسين فاعتقلته قبل بداية الحرب المغربية الإسبانية الرابعة (حرب الريف الثانية 1921/1926) حينما نجح في الفرار من الجزر الجعفرية حيث كان محبوسا إلى الحدود المغربية الجزائرية البحرية .

و قد ظل في الجزائر إلى أن استدعاه القائد الامازيغي الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي للإنضمام إلى صفوف الحكومة الوطنية للريف لمحاربة الاحتلال الاسباني بعدما  ذاع صيته وبطولته بعد إنتصار المقاومة الأمازيغية  الريفية على الاسبان في معركة أنوال الخالدة ، وهو ما استجاب له بكل تضحية.

عينة الأمير بن عبد الكريم الخطابي  بعد إعلان جمهورية الريف (1921/1926) على رأس قبيلته إبقوين كما عينه مساعدا لوزير خارجية الحكومة الوطنية للريف وكلفه بعدة مهام من بينها تأسيس جهاز مخابرات الثورة الريفية وقيادته وقد حصل على معلومات مهمة طيلة عمله بالإضافة إلى إشرافه على تكوين القوات الجوية للحكومة الوطنية لجمهورية الريف عن طريق علاقاته من خلال تأسيس شركة وهمية في الجزائر المحتلة أنذاك و تهريب  مجموعة من الطائرات من دون تفطن المخابرات الاسبانية والفرنسية لذلك في حينه.

ومن بين منجزاته خلال فترة شغله للمناصب التي تولاها:

الإشراف على نقل أسرى المعارك التي شهدها الريف الشرقي خلال الفترة الممتدة من يوليوز 1921 إلى منتصف غشت 1921 إلى منطقة أجدير وكذلك نقل الغنائم من أسلحة وأدوية ومواد غذائية..

تشكيل شبكة من المخبرين موزعة بجل مناطق المغرب وفي الجزائر وإسبانيا..

بعث مراسلات وتقارير إلى الأمير الخطابي حول الأوضاع والمستجدات، وهذه مقتطفات من بعض الرسائل التي كان يبعث بها القائد حدو والتي أوردتها الباحثة الإسبانية ماريا روزا في أحد أبحاثها عن الحرب الكيماوية ضد الريف:

رسالة مؤرخة في 31 غشت 1921
"..عدم إطلاق سراح الأسرى، لأنه في حالة إطلاق سراحهم، سيلجأ الإسبان إلى الغازات الخانقة لتدميرنا"

رسالة مؤرخة في 06 دجنبر 1921 ..
"جميع الأسلحة التي أخذت من الإسبان تتجمع بدريوش والغاز سيجمع شيئا فشيئا"

رسالة مؤرخة في 24 يوليوز 1922
"أخبرك بأن باخرة فرنسية نقلت 99 قنطارا من الغازات الخانقة إلى مليلية في 16 يونيو 1922".
"استقبال الوفود الأجنبية التي كان تزور الريف بهدف التجارة والاستثمار"

"السفر مع محمد أزرقان وبنزيان إلى باريس للتوقيع على بعض الاتفاقيات وإنجاز بعض الصفقات التجارية وإبرام بعض العقود المتعلقة بالتنقيب على المعادن واستغلال بعض المناجم".

تمكن سنة 1923 من جلب طبيب وممرضة أجنبيين لمعالجة شقيقة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، كما تم تكليفه بالتفاوض مع الماريشال ليوطي عدة مرات لحل المشاكل التي كانت تعرفها الجبهة الجنوبية انداك، كما شارك إلى جانب كل من محمد أزرقان والشادي في المفاوضات الثلاثية التي جمعت هذا الوفد الريفي بوفدين يمثلان كل من فرنسا وإسبانيا، والتي ابتدأت يوم 17 يوليوز 1926 بتاوريرت وتواصلت يوم 27 ابريل 1926 بمدينة وجدة واستمرت إلى يوم 06 ماي 1926، وكان السيد حدو لكحل طيلة هذه المفاوضات يتنقل عبر طائرته بشكل شبه يومي إلى مقر قيادة المقاومة لإخبار الأمير بالمستجدات وأخذ المقترحات.

بعد إنتهاء الحرب الطاحنة ضد جمهورية الريف بتحالف الاستعمارين الفرنسي والاسباني وبتواطئ السلطات المخزنية ولجوء اسبانيا الى القصف الكيماوي، تم أسر القائد والطيار  الامازيغي حدو الكحل على يد الفرنسيين في يوم 27 ماي 1926 ثم نفي إلى جزيرة مدينة الصويرة وظل في سجنها أسيرا ثم تحت الإقامة الجبرية إلى أن وفاه اجله المحتوم وانتقل إلى جوار ربه في سنة 1950.. 

مباشرة بعد اعتقاله صادرت سلطات الاحتلال الاسباني و الفرنسي بالإضافة إلى السلطات المغربية جميع ممتلكاته.

حيث عمل الخليفة  المخزني على المنطقة الشمالية  الحسن بن المهدي بن اسماعيل، على تنفيذ مقتضيات الظهير المشؤوم المؤرخ في 09 أكتوبر 1926، الذي نص على مصادرة أملاك  قادة المقاومة الريفية  وعلى رأسهم الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي فإنضم الى القائمة الطيار الأمازيغي البطل حدو لكحل الذي خلده التاريخ.

المصدر: