المواطن المغربي الأمازيغي بين إشكالية سلب الاعتراف بالوجود و التوهيم بتهمة الانفصال ؟

بقلم: الطالبة هجَر الوارث.

عندما نتحدث عن المواطن المغربي الأمازيغي يجب التفصيل هنا في ثلاث مفاهيم أساسية و هي : المواطن، المغربي و الأمازيغي. 

فالمواطن هو ذلك الشخص الذي له كينونته الوجودية في هذا العالم من حيث التواجد "هنا " كجسد و كفكر له وعيه و ثقافته الخاصة به التي يتميز بها عن باقي المواطنين.

المواطن المغربي الأمازيغي بين إشكالية سلب الاعتراف بالوجود و التوهيم بتهمة الانفصال ؟
‏‎Hajar El Ouarit‎‏ ‏‎(ⵀⴰⵊⴰⵔ ⴰⵍⵡⴰⵔⵉⵜ)‎‏


هذا المفهوم الكوني للمواطن يتوفر بشكل ضمني على المفهومين الآخَرَيْن؛ فمن جهة يتطلب الحديث لهذا الشخص عن مكان لتواجده و استقراره ككيان جغرافي يتضمن جميع شروط العيش و المتطلبات الضرورية و الثانوية لهذا المواطن ، و هذا الموطن أو الكيان هو المغرب ؛ و من جهة أخرى يتضمن مفهوم الأمازيغية باعتبارها ثقافة عريقة بعرق التاريخ تفرض نفسها بين ثقافات هذا العالم لتعطي لنفسها ميزة الوحدانية و التميز و الانفراد . 

إنطلاقا من هذا التعريف يمكننا الحديث عن المواطن المغربي الأمازيغي و ليس المواطن الأمازيغي المغربي ؛ فالصفة الأولى تعني أن الشخص يوجد في هذا العالم أولا كمشروع ثم بعد ذلك يشرع في تحديد من يكون عليه أي تحديد ماهيته و هويته و ذلك حسب القولة الشهيرة لجون بول سارتر " الوجود يسبق الماهية " .

 أما الثانية فتعني الحديث عن شخص له ثقافته الأمازيغية التي تميزه ثم بعد ذلك يشرع في البحث عن موطن أو مكان ليتواجد فيه ، و هذا من العبث لأنه لا يمكننا الحديث عن أية ثقافة أو هوية ما دام ليس هناك مكان جغرافي للوجود أولا و سنصبح نتحدث عن لا موجود عاقل في اللا مكان .

إنطلاقا من هذا التحديد المفاهيمي يتبين إذن أن بلد المغرب بلد أمازيغي .لكن ما دام هناك تعريب منذ القديم ، فكيف أصبحت وضعية هذا المواطن في بلده الأصل من حيث المعيشة بكل متطلباتها و من حيث ثقافته مقارنة مع الثقافة العربية التي أصبحت تهدد وجود هذا الكائن و تسلبه حريته و تقصي هذا التميز و الاختلاف الجذريين عن ثقافتها ؟ .

عندما نقول مواطن أمازيغي يتبادر إلى ذهن المواطن العربي ذلك المفهوم الضيق بأن كل أمازيغي يسكن الجبال الوعرة المعروفة في المغرب ؛ جبال الريف بشمالها وجنوبها و شرقها و غربها ، هته السلسلة من الجبال لم يبق فيها من يتحدث بالريفية الأم إلا من يقطن بالشمال كمدينتي الحسيمة و الناضور و ما جاورهما ، أما جبال الريف الغربي فقد تعربت بالكامل و أصبح سكانها يطلق عليهم إسم " جبالة " . و جبال الأطلس المتوسط و يسمى سكانها الشلوح و جبال الأطلس الصغير و سكانها يقال لهم السوسيون و كذلك أمازيغ الجنوب الشرقي من المغرب أسامر .

هؤلاء الأمازيغ سواء الريفيون أو الجبليون أو الشلوح أو السوسيون أو الصحراويون كلهم يعيشوا في مناطقهم بحب كبير لأرضهم الذي لا ينتهي بالرغم من ما يعانونه من مشاكل العيش الكريم من عزلة تامة عن العالم في شتى المجالات كالإعلام و التمدرس و الصحة و الشبكات الطرقية و الكهربائية و المائية و انعدام وسائل النقل و ..و غيرها من المشاكل مما يؤدي إلى مشكل الهجرة نحو المدن و خصوصا الساحلية منها التي يغلب على طابعها التضاريسي السهول .

في إطار هذه الأزمة تتولد مشاكل لم تكن في الحسبان و هي مشاكل اندثار الهوية الأمازيغية و ذوبانها في الثقافة العربية . هنا يشعر المواطن الريفي ، الجبلي ، الشلحي ، أو السوسي بعدم الاعتراف بوجوده لأن ثقافته لا يقبلها المواطن العربي و لا يعترف بها أصلا نظرا لمحدودية رؤيته و قصور ذهنه على فكرة أن الريفي عندما يخرج من بلاد الريف فهو صاحب المشاريع و الهجرة خارج المغرب و السوسي و الصحراوي صاحبي التجارة و الشلحي صاحب الوظيفة و الجبلي صاحب الصناعة التقليدية و المشاريع ، لذا يرى في كل هؤلاء دخلاء على الأرض التي يسكنها و تضييقا على حيزه الجغرافي ؛ ففي جهة الغرب اشراردة بني احسن كنموذج للعروبة أَضحى المواطن الأمازيغي عامة يسمع دائما : " لو لقيتم الخير في بلدكم لبقيتم فيها ... أتيتم لتضيقوا علينا و تنافسوننا في كل المجالات " مع العلم أنهم ليسوا نشطاء في أي مجال و أن بلد المغرب كله هو أمازيغي و أرض للأمازيغ و ليس كما يزعمون .

هنا يختنق المواطن المغربي الأمازيغي و المغربي المستعرب على حد سواء نظرا لما يراه من عدم تقبل لوجوده و عدم تقبل ثقافته و أفكاره فيصبح هنا بين حالتين و خطوتين اختياريتين لا رجعة فيهما و هما : إما الاستسلام للعروبة بشكل نهائي و الذوبان في ثقافتها و عدم الرجوع إلى أصله أبدا ، و هو ما نسميه كائن مستلب و ازدواجي ؛ مستلب لأنه تم تشييئه و سلب حريته و حقه في العيش الكريم كمواطن له وجوده يجب أن يتقبل كما هو و لا يخضع لأية عنصرية و لا تمييز عرقي و لا ثقافي ، و ازدواجي لأن له أكثر من هوية تعددت عبر الزمان و المكان و لم تحافظ على خاصيتها في الوحدانية و الانفراد .

و إما أن يبقى متشبثا بهويته و ثقافته رافضا الذوبان و الخضوع و الخنوع تحت أي ضغط و لا لأي ثقافة أخرى ما دام ليس هناك ما يفضل به أي ثقافة عن ثقافة أخرى . هنا تصبح العلاقة متوترة جدا بين العربي و الأمازيغي أساسها التأثير و التأثر هته العلاقة مصيرها الموت أو لا تتوقف حتى الموت أي عندما يتوقف هذا الصراع و يسلب الاعتراف بالوجود تموت هته العلاقة و لايبقى حينئذ لا عبدا و لا سيدا ، كما يسميها هيجل : " جدلية بين العبد و السيد " .

فعندما اختار الصنف الثاني من المواطن المغربي الأمازيغي هذا الطريق رافضا كل فقدان لهويته الأم كان شعاره هو : " إما أن أكون و إما أن لا أكون " و هنا أرجع إلى ما ذكرت في تفصيل المفاهيم : " الوجود يسبق الماهية " .

ففي إطار الاتفاقيات المنعقدة و القوانين الزاحفة أو بالأحرى الجامدة التي تقول بوجود اللغة الأمازيغية و التكفل بحماية جميع فروعها الريفية ، الشلحية و السوسية فأي مصداقية و شرعية لسلطة الدولة المغربية ما دامت لا تحفظ حقوق العيش الكريم لمواطنيها ؟ لماذا لا تتكفل الدولة بمسؤولية كل هذا لتمنع وقوع المواطن المغربي الأمازيغي في التشييئ و السلب و الاختيار الإجباري بين التشبث بالأصل و الانصهار في ثقافة أخرى ؟ و أية آفاق للاعتراف بالأمازيغية باعتبارها لغة للمواطنة المغربية ؟ 

و في حالة ما إذا اختار المواطن المغربي الأمازيغي الطريق الثاني و سلمنا بهذا الاختيار الجائر مسبقا، فهل ثمة متنفس للحرية و أخذ الحق و سلبه للاعتراف بوجوده ؟ و هل يقبل به المجتمع و الدولة معا باعتباره مواطنا حرا يدافع عن أبسط حقوقه – التي لطالما نسميها حقوقا يتحتم أن تكون دون المطالبة بها – من أجل الاعتراف به كمواطن مغربي أمازيغي له كينونته و ثقافته دون قمع أو استبداد أو تهمة الانفصال ؟.

 11/2/2018
‏‎Hajar El Ouarit‎‏
 ‏‎(ⵀⴰⵊⴰⵔ ⴰⵍⵡⴰⵔⵉⵜ)‎‏