حوار مع المبرمج الأمازيغي مادغيس ؤمادي.. الذي ساهم في إدماج الأمازيغية بوسائل التكنولوجيا الحديثة

قبل أسبوعين، إعتمد موقع التواصل الإجتماعي العالمي الشهير الفيس بوك اللغة الأمازيغية ضمن لغاته الأساسية. وأبدى الناطقون بالأمازيغية، خاصة النشطاء، احتفاءً كبيرا. فقد صار بإمكانهم أن يروا حساباتهم ومنشوراتهم في أشهر موقع للتواصل الاجتماعي بلغتهم الأمازيغية بحرفها العريقة تيفيناغ (الحرف الأمازيغي التاريخي). لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، كان هناك الكثير من العمل. 

مادغيس ؤمادي، 44 عاما، أحد من بذلوا جهدا كبيرا لتحتل الأمازيغية موقعا في مجال التكنولوجيا الرقمية الحديثة . هو ناشط أمازيغي معروف من مدينة يفرن في الشمال الغربي لليبيا. درس علم اللغة الاجتماعي، حيث حصل على ماجستير من جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، ويعمل إستاذا بكندا. يحترف البرمجة  والتصميم و الرسم، ويبدي اهتماما بالفنون. إلا أن رغبته في فتح مجال جديد أمام لغته الأم، جعله يهتم أكثر بالبرمجة والتكنولوجيا الرقمية الحديثة .

كانت أولى إبداعات مادغيس في هذا المجال تصميم لوحة مفاتيح جعلت الكتابة بحرف تيفيناغ، على أجهزة آبل وأندرويد، أمرا ممكنا. تلاها إنشاء معجم إلكتروني يضم أكثر من 70 ألف كلمة أمازيغية، ثم محول تاريخ يحول التقويم الأمازيغي إلى الميلادي والهجري. إضافة إلى هذا، ساهم مادغيس في إدخال الأمازيغية إلى نظام الترميز الموحد Unicode قبل 14 عاما، وإلى فيسبوك بداية العام 2016. وفي ما يلي  حوارا خاص مع الناشط الأمازيغي مادغيس ؤمادي، حول إسهاماته في المجال الرقمي لصالح الأمازيغية ، والذي يوجد حاليا في المغرب لحضور فعاليات ثقافية هناك.

حوار خاص مع المبرمج الأمازيغي مادغيس ؤمادي.. 


ماهي أول تجربة لك في مجال البرمجة بالأمازيغية؟


كانت أول تجربة عبارة عن برنامج بسيط يمكن من الكتابة بحرف تيفيناع، ويعمل على نظام iOS الذي تعمل به أجهزة شركة آبل. حينها، لم تكن آبل طرحت بعد إمكانية إضافة لوحات مفاتيح جديدة على تلك التي يمنحها النظام تلقائيا. كان البرنامج الذي صنعته يسمح بالكتابة وقراءة ما هو مكتوب بالأمازيغية. مع لغة البرمجة الجديدة التي طرحتها آبل قبل سنتين، وهي “سويفت”، صار بالإمكان إدراج لوحات مفاتيح جديدة بسهولة. فصنعت لوحة مفاتيح للحرف الأمازيغي عن  طريق”سويفت”، يمكن تحميلها ودمجها بشكل تلقائي مع لوحات المفاتيح التي تمنحها آبل.

حاليا، أجهزة آبل تستقبل وتقرأ اللغة الأمازيغية بطريقة تلقائية بدون أي يضيف لها أي مبرمج أي شيء (باستثناء عدم وجود لوحة مفاتيح). كان هذا ثمن مراسلات ومجهود كبير. ففي السابق مثلا، كنت لما تريد أن تنشر كتابا باللغة الامازيغية على مكتبة آبل، وتريد أن تشير إلى اللغة التي كتب بها، لا تجد اللغة الأمازيغية ضمن قائمة اللغات. بعد عدة مراسلات وجمع توقيعات من الأصدقاء والمستخدمين، جرت إضافة اللغة الأمازيغية إلى مكتبة آبل ثم أجهزة آبل. رغم ذلك، بقيت الأجهزة بدون لوحة مفاتيح أمازيغية، فقمت بإضافتها عبر لغة البرمجة “سويفت”، وهي مجانية ويمكنها تحميلها بسهولة.

ماذا عن الشركات الأخرى؟


فيما يتعلق بمايكروسوفت، توجد لوحة مفاتيح تلقائية. ولا يحتاج المستعمل إضافة أي برنامج. مايكروسوفت من خلال شركتها في المغرب تواصلت مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأدخلت الأمازيغية إلى نظام ويندوز 8. أما الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، فلم يكن يوجد فيها لا الحرف واللغة، حتى قمنا بمراسلتهم نهاية العام الماضي، وأنشأنا صفحة لهذا الغرض (على مواقع التواصل الاجتماعي) ووقع فيها آلاف الأشخاص، فتلقينا وعدا بأنه مع دخول شهر أيار/أبريل (الماضي) ستكون اللغة الأمازيغية متاحة. وفعلا أصبحت اللغة الامازيغية متاحة في المتصفح الخاص بغوغل (غوغل كروم). لكنها ما تزال غير موجودة في أجهزة أندرويد لحد الساعة. فوضعت، بالتعاون مع بعض الأصدقاء، برنامجا للكتابة بالأمازيغية، مثل الذي صنعت سابقا لأجهزة آبل.

متى كانت مراسلاتك لآبل؟


تمت المراسلات العام الماضي، وعلى عدة مستويات. أولا، من أجل إضافة اللغة الأمازيغية إلى مكتبة آبل. فلم يكن ممكنا قبل سنة 2015 وضع كتاب باللغة الأمازيغية على مكتبة غوغل. بعدها، دخلنا إلى المرحلة الثانية، وهي المطالبة بإدخال الحرف الأمازيغي إلى منظومة iOS، وهو الأمر الذي تطلب مجهودات كبيرة، ولم يكن متاحا حتى النصف الثاني من سنة 2015.

ماذا عن دخول اللغة الأمازيغية إلى نظام الترميز الموحد (اليونيكود)؟


 اليونيكود في الواقع هي منظمة موجودة في كاليفورنيا. يسمح لنا معيار اليونيكود (أو الترميز الموحد) الذي وضعته هذه المنظمة بوضع رمز خاص بكل حرف حول العالم. حتى أن هناك لغات ميتة غير موجودة تقريبا، لكن لها حروفا على الإنترنت. تم إدراج الأمازيغية ضمن اليونيكود سنة 2002. وكان لي إلى حد ما شيء من المساهمة في هذا المجال. الشركة التي كنت أعمل فيها بكاليفورنيا كلفتني بوضع بحث، تقريبا من 25 صفحة عن حرف تيفيناغ. أنجزت البحث، وقدمنا المشروع إلى منظمة اليونيكود، سنة 2001، لكنها كانت لا تقبل المشاريع المقدمة من الأفراد، بل من قبل الدول. جاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في المغرب سنة 2002، وأدخل تعديلات على الحروف الأمازيغية، وتقدم إلى هذه المؤسسة وتمت الموافقة بسهولة على دخول اللغة الأمازيغية إلى اليونيكود.

ماذا عن المعجم الأمازيغي/العربي؟


بحكم تخصصي الأكاديمي في علم اللغة الاجتماعي، جمعت خبرة في هذا المجال. قمت بداية بوضع معجم أمازيغي على الإنترنت يستطيع الناس أن يتعاونوا عليه. ومازال موجودا الآن، باسم مؤسسة “تاوالت” الثقافية وتعني “الكلمة” باللغة الأمازيغية. انتقل هذا المعجم من معجم عادي جدا بلغة HTML إلى معجم معقد على  الهواتف الذكية. اسم المعجم “أماوال” ( أماوال تعني القاموس أو المعجم في الأمازيغية)، ويضم أكثر من 70 ألف كلمة.

هل اعتمدتم في إنجاز المعجم على أبحاث لغوية سابقة؟ ما هي؟


البحث في مجال المعاجم بالأمازيغية موجود وبشكل دؤوب منذ مدة، وقد توج بعمل رائع للأستاذ محمد شفيق (ناشط ولغوي مغربي معروف وأول عميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية). وهو عبارة عن معجم ثنائي اللغة: أمازيغي/عربي، من ثلاثة أجزاء. قضى شفيق في تحضيره حوالي 27 سنة. اعتمدنا أيضا على معاجم أخرى بعضها متخصص، سواء في الاقتصاد أو الرياضيات أو الكيمياء أو النحو، وغيره ذلك. قمنا بتجميع محتوياتها وتصنيفها تقنيا بطريقة علمية حديثة. استغرق بناء المعجم سنوات طويلة.

حاليا يمكن التصفح والبحث في غوغل باللغة الأمازيغية، لكن لا توجد الترجمة إلى الأمازيغية؟


تكنولوجيا الترجمة الفورية، من ناحية المبدأ، متقدمة ومتاحة لجميع لغات العالم، لكن ما يجب القيام به هو وضع أكبر قدر ممكن من الكتابات باللغة الأمازيغية على الإنترنت. يجب أن تكون هناك معاجم وتراجم كثيرة ومواقع ثنائية اللغة وروايات وكتابات تقنية وبحوث ومجلات وجرائد باللغة الأمازيغية. كل ما نقوم بكتابته حاليا بالأمازيغية يقوم غوغل أوتوماتيكيا بتصنيفه ومقارنته بغيره من اللغات. فمثلا لو أنا كتبت “تيفاوين” بالأمازيغية ووضعت أمامها “صباح الخير” بالعربية، تصبح تلقائيا مع تكرار الأمر لدى غوغل أن “تيفاوين” تعني “صباح الخير”. يعني أنه يجب أن يكون هناك تراكم كبير في الكتابة الأمازيغية حتى نتمكن من إدخالها إلى الترجمة في غوغل، أما من الناحية التقنية فالأمر متاح.

ماذا عن محول التاريخ الأمازيغي؟


التاريخ الأمازيغي يسبق التاريخ الميلادي بـ950 سنة. وضعنا اللوغاريتم للتحويل من التقويم الأمازيغي إلى الميلادي والهجري والعكس عن طريق مهندس ليبي اسمه خالد الشكروني. صنعنا البرنامج أولا للحواسيب، ثم وضعنا نسخة للهواتف الذكية. بعدها قدمنا اللوغاريتم إلى كل من آبل وأندرويد لاعتماده بشكل رسمي وتلقائي. موافقة مثل هذه الشركات تحتاج طبعا إلى وقت، ووفقا لسياسة كل شركة، لكن الخطوات الأساسية تم القيام بها.

هل يمكن أن تعرّف القراء عن القاعدة للتحويل من وإلى التاريخ الأمازيغي؟


السنة الأمازيغية سنة شمسية عدد أيامها مضبوط، وقريبة من التقويم الميلادي. القاعدة في التحويل بين التقويمين بسيطة جدا. وهي أن تضيف إلى التاريخ الميلادي 950 سنة ثم تنقص 13 يوما. فمثلا يوم 13 من سنة 2005 الميلادية نضيف إليه 950 سنة فيصبح 2955 أمازيغية، ثم تنقص 13 يوما لتصبح التاريخ المطلوب هو 1 كانون الثاني/يناير سنة 2955 أمازيغية. هذه القاعدة بسيطة عموما، لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك سنوات كبيسة وسنوات بسيطة، وهذا يحتاج إلى حساب أدق.

تحدثت الكثير من وسائل الإعلام الأسبوع الماضي عن إضافة اللغة الأمازيغية إلى فيسبوك، هل ساهمتم في هذا أيضا؟


في الحقيقة، إضافة الأمازيغية إلى فيسبوك لم تكن الأسبوع الماضي. تم ذلك منذ شهر آذار/مارس. ما تم الأسبوع الماضي هو أن بعض المستخدمين تلقوا تنبيها notification يقول بأن فسيبوك صار متاحا بحروف تيفيناغ، فظنها كثيرون أنها المرة الأولى. كنت من ضمن المشاركين في بدايات إدخال تيفيناغ إلى فيسبوك. لكن الفضل بدرجة أولى يرجع إلى مبرمج شاب من مدينة مراكش في المغرب، اسمه ياسين آيت المودن. في فيسبوك صفحة خاصة لكن من يريد إضافة أي شيء. وما عليه سوى اقتراحه وخلق لوبي وجمع أكبر عدد المؤيدين والموقعين. وعندما يصل عدد المؤيدين إلى رقم معين، فإن فيسبوك يراعي تلقائيا هذه القضية ويبدأ في الاشتغال عليها.

أول ما يقوم به  فيسبوك هو أنه يدرج اللغة المعنية ضمن قائمة اللغات، ويطلب من المتصفحين ترجمة الكلمات المستعملة في فيسبوك إلى لغتهم. هكذا مثلا يعطيهم قائمة بكلمات مثل “أصدقاء” أو “مجموعة” أو “رسائل” او “إعجاب” أو “ابتسامة” “، ولما يترجمها المتصفحون ويقع حولها اتفاق يعتمدها فيسبوك. عندما يترجم ثلثا الكلمات المستعملة، يدرج فسبوك اللغة المعنية بصفة تجريبية، ولما تكتمل الترجمة يتم إدراج اللغة بشكل نهائي.