رسالة الى لحسن الداودي وزير التعليم العالي المغربي ..بقلم الاستاذ رشيد الحاحي

بقلم : الاستاذ رشيد الحاحي .

تابعنا باندهاش كبير فحوى الكلام الذي أدليت به في قاعة الجلسات بالبرلمان يوم البارحة في معرض جوابك عن السؤال الذي تقدمت به أربع فرق برلمانية حول موضوع الاعتداء الذي تعرضت له مستخدمة بالحي الجامعي بمكناس من طرف طلبة محسوبين على إحدى الفصائل الطلابية، وما يثيره ويرتبط بذلك من أسئلة تفاقم العنف بالفضاء الجامعي وحجم مسؤوليات الحكومة والدولة والمجتمع فيما يجري. وكعادتك، بدل مناقشة أزمة الجامعة المغربية وتقديم الإجابات الضرورية عن الأسئلة والأحداث التي تعرفها انطلاقا من مسؤوليتك الحكومية والتدبيرية، أبيت مرة أخرى إلا أن تستمر في التهرب من المسؤولية وتأزيم النقاش والوضع بل وتأجيج الصراعات والفتن.


السيد الداودي،

بعد الاستياء الكبير الذي أثارته إحدى أجوبتك بنفس المكان قبل بضعة أسابيع بمناسبة اغتيال الطالب الجامعي والناشط بصفوف الفصيل الطلابي الحركة الثقافية الأمازيغية بكلية الآداب بمراكش، عمر خالق المعروف بإزم، حيث أنك وبدل مؤازرة أسرة الفقيد الصغيرة والكبيرة ومواساتها وتقديم العزاء لها انطلاقا من واجبك الإنساني والديني والمواطنتي، وتحمل مسؤوليتك الحكومية فيما يجري بالجامعات باعتبارك الوزير المسؤول عن القطاع، بدل ذلك وهو أضعف الإيمان، عبرت في انفعال مثير عن رأي شاذ ورد سياسي لا يخلو من حقد وعنف، وقدمت فتواك الشهيرة التي سجلها التاريخ في سجل مفهوم الديمقراطية والمواطنة عند تيارات الإسلام السياسي، وذلك عندما كنت تكرر في تلعتم وارتعاش غريبين، وأكدت وكررت ذلك بكل صراحة وهدوء في تصريحات صحفية موالية: "ديالنا مشينا عزيناه، وهاداك ما شي ديالنا سيرو عزيوه نتوما"!

فهنيئا للمغاربة بديمقراطية " حنا وانتما وديالكم وديالنا" التي ابتدعتها حكومة تميز بكل فخر بين مواطني بلدها ووزير لا يحرجه البتة القول بأنه وزير حزبه وجماعته أولا وأخيرا!

وبينما كنا ننتظر أن تثوب عن خطئك الجسيم عند أدنى فرصة مواتية، أو على الأقل أن تتوقف عن استفزاز المواطنين ومكونات المجتمع المدني والسياسي، أو أن تصمت إن كنت لا تحسن الكلام ولا تدري وقع المقام والمقال ، أبيت مرة أخرى إلا أن تحرف النقاش وتتهرب من مسؤوليتك عبر تجديد عدائك للأمازيغ وللأمازيغيين، وأن تؤجج الصراعات بين التيارات والفصائل.

السيد الداودي،

الطالب مصطفى أوسايا الذي عانق الحرية وعانق أبويه وأهله وأصدقاءه ورفاقه قبل ثلاثة أيام بعد أن قضى تسع سنوات من السجن على خلفية أحداث جامعة مكناس سنة 2007، ليس مجرما كما تعمدت قوله بكل إصرار واستفزاز، بل هو معتقل رأي سياسي يخلو ملف متابعته الجنائية من أي دليل مادي وعلمي يؤكد الحكم الصادر في حقه بما في ذلك نتائج تحليل الحمض النووي ADN، وكما تؤكد على ذلك مجريات المحاكمة وتناقضاتها وتحاليل القانونيين ودفاعاتهم، وإفادات شهود المعتقل، وبيانات وتوضيحات الإطارات الحقوقية التي واكبت الملف على امتداد تسع سنوات الماضية. وإن كان يهمك الموضوع فعلا، فكان عليك أن تتوجه إلى وزيركم في العدل لإعادة فتح الملف وضمان شروط محاكمة عادلة والبحث عن الجنات الفعليين واستجلاء الحقيقة فيما جرى، وليس تأزيم الأجواء وتعميق الجروح وتأجيج الصراع وتهديد حياة الطالب المفرج عنه.

فانتماء الطالب المفرج عنه إلى الحركة الثقافية الأمازيغية، وكذا صديقه حميد أعطوش الذي لا يزال معتقلا على خلفية نفس الملف والحكم الواهيين، ودورهما النضالي في صفوف الفصيل الطلابي الأمازيغي بموقع مكناس خلال سنتي 2006 و2007، ثم استمرارهما بعد الاعتقال في متابعة تطورات الحياة السياسية والحقوقية بالمغرب والملف الأمازيغي بشكل خاص، وإصرارهما على براءتهما وإصدارهما لبيانات وكتابات رأي على امتداد سنوات السجن، إضافة إلى حجم الاستقبال الذي حظي به الطالب أوسايا لحظة الإفراج عنه من طرف مئات الإطارات المدنية والحقوقية والسياسية والفعاليات والنشطاء وسكان القبائل والدواوير الأمازيغية ، ومن مختلف جهات ومناطق المغرب، والتي رافقته إلى مسقط رأسه بدوار فزو بالجنوب الشرقي للاحتفاء بحريته حيث لا تزال الندوات والاحتفالات وأنشطة صك البراءة مستمرة، كلها معطيات ودلائل تؤكد أنه معتقل رأي سياسي اعتقل بسبب انتمائه الأمازيغي ودفاعه عن الحقوق اللغوية والثقافية والسوسيو اقتصادية للمواطنين والمواطنات والمناطق الأمازيغية التي طالها الإقصاء والتهميش والاستغلال.

وباستحضار سياق هذه المحاكمة ومحاكمات أخرى، وتحليل المعطيات والدوافع السياسية والأمنية المحيطة بها، كان الأحرى بك وحكومتكم أن تعتذروا للمعتقلين وللأمازيغ عن عدم الإفراج عنهم خلال الحراك الشعبي الذي عرفتم كيفية استغلاله للنيل من خصومكم والإفراج عن معتقليكم، كما على الحركة الأمازيغية بإطاراتها وفاعليها أن تعتذر لهم عن عدم تمكنها من الإفراج عنهم نظرا لعدة أسباب ومنها أنه ليس من شيمها ابتزاز الدولة وطعن الخصوم.

وإذا كانت البواعث والدوافع والسياقات تختلف في مسار تطور الدول، والقضاء يخطأ، والدول تخطأ، فلا بد من استجلاء الحقائق وإحقاق الحقوق وتحقيق الإنصاف وجبر الأضرار.

السيد الداودي،

أنت وإخوانك -مادمتم تصرون على "حنا ونتما وديالنا وديالكم"- تعرفون جيدا من ادخل العنف للجامعة المغربية ومن يستفيد منه، وكما يذكر التاريخ ويعرف المغاربة جيدا التيارات والفصائل التي لها باع في هذا الشأن ولا زالت دماء الطلبة والمناضلين تلاحقهم، كما يشهد خريجو الجامعات من نشطاء ومنتمي الفصائل الطلابية الفطنين والنزهاء أن فصيل الحركة الثقافية الأمازيغية كان مبادرا إلى اقتراح ميثاق شرف بين مختلف الفصائل لنبد العنف بالفضاء الجامعي مند عودة العنف قبل أكثر من عشر سنوات، كما يخلو تاريخ الحركة الأمازيغية بصفة عامة من أي حدث أو مسؤولية عن العنف، ومن العمل السري وسلوكيات التقية، كما تؤكد أدبياتها ومنشوراتها وخطابها على سلميتها وفكرها الرافض للعنف والتكفير ودعوتها إلى النسبية وتدبير التعدد والاختلاف والبناء الديمقراطي السليم.

السيد الداودي،

يبدو أنك مصر على انتزاع لقب و"وسام عار" في مساركم السياسي والمهني، وهو أن تؤكد الأسابيع المتبقية من ولايتكم الحكومية وإشرافك على هذا القطاع الذي من المفروض أن يعكس صورة المغرب العلمية والثقافية والحضارية، ومستوى فكر نخبه، أنك كنت وزير جماعتك فقط وأن بصمتك الوحيدة في سجل الجامعة المغربية هو تأجيج الصراعات وإيقاظ الفتن.