المايسترو أو النجم إذا سطع وإرتفع ... بقلم محمد بودهان

(إلى روح الفقيد "المايسترو" موحا والحسين أشيبان)

إنك وحدك قد تمثّل الوطن، بكل ما يعنيه من هوية وأصالة وحب للأرض ولسكانها. بل أنت مؤهل أن تكون علما يرمز لهذا الوطن. وقد كنت بالفعل علما في رأسه نارـ بالمعنى الذي قصدته الخنساء ـ كمنارة سامقة وشاهقة.

كل فنك "أحيدوس"، بما تتميّز به من خفة في الحركات، ورشاقة في الرقصات، ومهارة في القفزات، وعذوبة في دقات الدفّ، حصلت عليه بالاكتساب وليس بالتعلم في معاهد متخصصة. ولهذا كان فنك صادقا وأصيلا لأنه فطري وحقيقي، وليس نتيجة صنعة أو حسابات. لقد كان جزءا منك وأنت جزء منه، حتى أنك عندما نُقلت إلى فرنسا لتقاتل، كجندي في الجيش الفرنسي، الألمانَ في الحرب العالمية الثانية، لم تحمل معك سلاحك الناري فقط، بل لم تنس أن تحمل معك أيضا سلاحك الآخر الذي هو البندير، الذي كنت تمارس به "أحيدوس" وأنت مرابط بجبهة القتال ("المساء" بتاريخ 11 يوليوز 2007 ).



وإذا كان "أحيدوس" يعتبر نشاطا فولكلوريا، مع كل ما يرتبط بلفظ "فولكلور" من معاني الابتذال والممارسات الشعبية العامّية، إلا أنك نجحت في أن تجعل منه فنا راقيا، نبيلا وساميا، يخلق لدى المتفرج شعورا بالمهابة والقداسة كأنه أمام طقوس دينية وليس أمام وصلات رقصية وغنائية. وإذا كنت قد اكتسبته كموهبة فطرية، كما قلت، إلا أنك أبدعت فيه وطوّرته وارتقيت به، حتى أضحى مرادفا لاسمك ولشخصك، إذ أصبح اسم "مايسترو" موحا والحسين أشيبان يحيل بالضرورة على فن "أحيديوس"، كما أن هذا الأخير يحيل بالضرورة على اسم "مايسترو" موحا والحسين أشيبان . بل أصبح "أحيدوس" يُعرّف باسمك، واسمك يعرّف بـ"أحيديوس": فعن سؤال: ما هو "أحيدوس"؟، يكون الجواب: هو "المايسترو" موحا والحسين أشيبان. وعن سؤال: من هو "المايسترو" موحا والحسين أشيبان؟، يكون الجواب: هو "أحيدوس". وبفضلك أصبح "أحيدوس" معروفا في كل العالم، وأصبح المغرب كذلك معروفا في كل العالم بفضل "أحيدوس". بل إن الكثير من الأجانب، الذين لم يكونوا يعرفون المغرب، يعرفونه اليوم من خلال "أحيدوس" موحا والحسين أشيبان. فالمغرب بالنسبة لهم هو بلاد "أحيدوس"، بلاد موحا والحسن أشيبان. فهنيئا للمغرب بك. لكن، ويا لسخرية الأقدار، رغم أنك عرّفت العالم بالمغرب عبر "أحيدوس"، إلا أن بلدتك، "لقباب"، لا زال حتى المغرب لا يعرفها حق المعرفة، لبقائها مهمّشة ومعزولة، بلا طرق ولا بنى تحتية، رغم أنها أنجبت عملاقا يعرفه كل العالم.

كل شيء فيك يدلّ على الكِبر والعلو والشموخ. وأبرز العلامات على ذلك تواضعك وبساطتك، وقناعتك وكفافك... لما سألك صحفي "المساء"، الذي أجرى معك حوارا، عن المشاكل التي تعاني منها، أجبته: «أنا لا أشتكي من شيء، وهذا طبعي منذ أن كنت صغيرا إلى الآن» (يومية "المساء" بتاريخ 11 يوليوز 2007 ). ولما سألك هل سبق لك أن طلبت شيئا من الملك عندما كنت تلتقي به، أجبته: «"مانرضاش"، أنا حين أسلّم على الملك فليس لأطلب منه شيئا». وحتى عندما حُررت لك، وبإيعاز من ابنك، رسالة تلتمس فيها بعض الأشياء من الملك، وطُلب منك أن تسلمها له في لقائك معه، حملتها معك نزولا عند رغبة ابنك، لكنك احتفظت بها في جيبك ورفضت أن تمدها للملك ("المساء" بتاريخ 17 يوليوز 2007 ).

أنت كبير، وعشت كبيرا، وفنك كبير، وحتى عمرك كبير (113 سنة). وليس بغريب أن الذي أطلق عليك لقب "مايسترو"، في 1985، هو الرئيس السابق (رونالد ريكان) للولايات المتحدة. ذلك أنه لا يعرف قيمة الكبار إلا الكبار. عملت جنديا في الجيش الفرنسي بالمغرب. ولما أُعطي الأمر لفرقتك العسكرية للهجوم على مكان يأوي المقاومين، رفضت وعصيت الأمر العسكري، مما تسبب لك في السجن تطبيقا لمدونة العدل العسكري. وكان ذلك سببا لمغادرتك نهائيا الجندية ("المساء" بتاريخ 11 يوليوز 2007 ).هكذا أنت كبير في مبادئك ووطنيتك، حتى أنك عصيت أوامر عسكرية، وفضلت السجن على أن تشارك في هجوم على إخوانك المغاربة.

العديد من الأمازيغيين قد يستعملون الدارجة ليخفوا أمازيغيتهم، ويظهروا كأنهم عرب. أما أنت، فدارجتك هي التي تبرز أمازيغيتك بشكل جلي، صارخ ومعلن، من خلال نبرة الكلام، ونطق الحروف، وتراكيب الجمل. أنت تبقى وتظهر أمازيغيا بالنسبة لمن لا يعرفك، كيفما كانت اللغة التي قد تتكلمها، لأنك فطري وصادق مع ذاتك. لهذا فأنت دائما مطابق لنفسك ولهويتك.

وحتى لحيتك، ليست لا من صنف لحى الشيوعيين، ولا الوهّابيين، ولا الداعشيين، ولا الإخوان المسلمين، المغاربة ولا المصريين... إنها لحية الفطرة والمطابقة مع الذات، وليست لحية الانتماء إلى إيديولوجية أو عقيدة أو مذهب. ولهذا فإسلامك أسمى وأصفى لأنه إسلام الفطرة، وليس إسلام التعريب والتحويل الجنسي. فأنت الذي لم تحفظ من القرآن إلا "تبت يدا أبي لهب" (سورة المسد)، كما صرحت ليومية "المساء" بتاريخ 12 يوليوز 2007، إلا أن ذلك لم يمنعك من معرفة الله حق المعرفة، وعبادته حق العبادة. أقول حق المعرفة وحق العبادة لأنك لم تمرّ عبر وساطة التعريب حتى تعرف الله وتعبده. فمعرفتك به وعبادتك له هما أعمق وأصدق لأنهما نابعان من الفطرة، وليس من التعريب والتحويل الجنسي. فإسلامك هو الإسلام الصحيح الأصحّ، لأنك مسلم أمازيغي، كما أنت، ولم تحتجْ إلى تعريب حتى تكون مسلما، كما يفعل المتحولون الذين يعتقدون أنه مع تغيير هويتهم الأمازيغية يصبحون أكثر إسلاما، مع أنهم يسيئون في الحقيقة إلى الإسلام ويفترون عليه عندما يجعلون منه أداة للتعريب. هذا الإسلام الفطري، الصحيح والأصحّ، هو الذي يفسر أن رؤساء فرق "أحيديوس" كانوا في نفس الوقت يؤمّون المصلين، لأن الدين لم يكن حرفة يختص فيها البعص دون البعض الآخر، وإنما هو إيمان وعبادة، وذلك قبل أن ينشر التعريبُ الإسلامَ الاحترافي المؤدى عنه.

إذا كنت نجما في حياتك، فلا يعني موتك أن النجم قد هوى، بل يعني أنه ازداد سطوعا وارتفاعا.