رسالة قوية جديدة من المعتقل السياسي الامازيغي عبد الرحيم إدوصالح من داخل السجن المحلي أيت ملول

بقلم : عبد الرحيم إدوصالح.
السجن المحلي أيت ملول (2)
28/12/2016 .

لا تكمن قوة الخطاب الأمازيغي في عدالة قضيته التي يدافع عنها فقط ، بل إن قوته تلك مستمدة مبدئيا من الأساس النظري الذي ينطلق منه : إنه خطاب ناقد .
وكون الخطاب ناقدا معناه أنه يقوم بتفكيك البنيات التي أرادت لنفسها أن تكون صلبة متينة خالدة في الوجود ، بنيات تطلب لذاتها شرعيته إما من السماء ، فتتلبس القداسة وتتماهى مع الغيبيات ، أو تكون شرعيتها مستمدة من ماض متخيل ، فتعطي لنفسها شرعية تاريخية متوهمة ، هذا النوع من البنيات الأيديولوجية هو ما يسلط عليه خطاب النقد تفكيكه بإستمرار.



يبدوا هذا تكليفا لحاملي الخطاب الأمازيغي بإعتباره خطابا ناقدا ، إذ هم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بتفعيل أساسه الفلسفي هذا ، وهو النقد العقلاني الصارم أو الناقد الصارم إختصارا ، وتفعيله يكون بالتوجه بالنقد نحو مركز الإستبداد ، المسؤول الأول عن الفقر والبطالة والأمية والتشضي الهوياتي الذي يعيشه مجتمعنا اليوم ، فلا يكفي نقد الأفكار بقدر ما يجب تحديد أصلها ومصدرها وحاملها ، والقائم على نشرها وتأبيدها ، هذا الذي يتأبد بدوره بتأييد نفس الأفكار ، وإرتجاجه مرتبط بإهتزاز أساسه الأيديولوجي أي المنطلقات التي قام عليها .

على الحركة الأمازيغية ومثقفيها وشبيبتها المناضلة الحاملة لمشعل خطابها أن توجه نقدها لأصل ومنبع الإستبداد لتمكن رفضها لسياسته ، وتعلن مواجة فكرية صارمة معه ، دون خوف ولا مماطلة ، فنحن مواطنون ومن يحكموننا مواطنون كذالك ، على الحركة القيام بدورها هذا بعدما إستطاعت ، وطوال العقود مضت ، هدم مجموعة من الأفكار وتجاوزها ، وإنزالها من مرتبة المقدس لتصبح مجرد ” إشاعات إيديولوجية ” ، والمهم الآن لأمازيغيي اليوم ليكملوا المسيرة ويتبنو جرأة سياسية ويرفعوا من إيقاع نضالاتهم ونقدهم لمركز الإستبداد .

لا يفوتنا ونحن نقدم هذه الشذرات أن الخطاب الأمازيغي لم يكن في صميمه خطابا هوياتيا صرفا كما يروج لذالك البعض، بل هو خطاب إنساني تحرري ، والإنسانية في الخطاب تتجاوز الهوية القطرية بإعتبار هذه الأخيرة لا تشكل في الإنسان إلا جزءًا وإن كان هذا الجزء في الأساس ، فشعار : الأرض – الإنسان – اللغة , يدعو حامله للدفاع عن حق الإنسان في الإنتماء لأرضه كما أنه يشير إلى حق الإنسان في الإستفادة من ثروات هذه الأرض الإقتصادية بالإضافة إلى كون الشعار يحمل بعدا إجتماعيا يتلخص في حق الإنسان في تقرير مصيره .

من هنا فالنضال من أجل البعد الإقتصادي لا ينفصل عن البعد الهوياتي والسياسي وبالتالي يجب تفعيل هذا الجانب النظري الذي إستدمجه الخطاب الأمازيغي أصلا .

إن الخطاب الأمازيغي لا يضحي بالإنسان من أجل اللغة ولا بالأرض من أجل اللغة ولا باللغة من أجل الأرض والإنسان ، ذالك ثلاثي متكامل تبني ، أعمدته الثلاثة فلسفة إقتصادية سياسية يمكن أن تتحول إلى نظرية في الحكم يحملها تنظيم مستقل يفرض وجوده بنفس القدر أو أكثر من الذي فرضت به نفسها تنظيمات سياسية أخرى ، مع أن منطلقات هذه الأخيرة لم تتعدى ” الصوفية ” و” الميتافزيقا ” .

يجدر بنا إذن ، ونحن في زمن القمع والإعتقالات وتلفيق التهم ، أن نؤسس لنقدنا ونمارسه ، فالمناضل مدعو إلى الجهر بمطالبته بالحرية والعدالة الإجتماعية، فلا شرف لنا أن ندعي النضال ونحن ساكتون عن نهب مستمر لثرواتنا وخيراتنا ولا شرف لحناجرنا أن تصرخ بالشعارات ونحن صامتون عن إغتناء المستبدين وإستمرار تفقير بقية الشعب ، إنه لا نضال لشخص يتحدد نضاله ذالك في التحية أو الشكر بلغته الأم . على الجميع الجهر بنقدهم وبما يعتقدون فمصير شعب أمي يبقى على عاتق من سمحت لهم الظروف بتلقي أبجديات المعرفة وتحصيل الوعي ، أي مثقفينا ، وشبيبتنا المناضلة في الجامعات .

إن تنظيم الحركة الثقافية الأمازيغية  قد قدم ، ولا زال يقدم ، تجربة تستحق التشجيع والمساندة خصوصا أن هذا التنظيم الطلابي قد إستطاع حمل الخطاب للشارع ، والمداشر والقرى البعيدة ، ولقّنه للبسطاء من الناس ، كان ذالك واضحا من خلال محطات أساسية أبرزها الذكرى الأربعينية للشهيد ، وإستقبال المعتقلين السياسيين ، كما أن نزول هذا التنظيم للشارع وتنظيم مناضليه للعديد من الوقفات والأشكال الإحتجاجية لتأكيد على توفر الخطاب الأمازيغي على قوة وطاقة تنظيمية وقاعدة نضالية  قادرة على تجاوز التحديات ومؤهلة لحمل قضية إنسانية في مستوى قضيتنا .

من الواجب الآن أن يتوجه هذا النضال إلى نقد ما أسميه بـ ” بنى الإستبداد و السيطرة ” ، وتجاوز الخوف من المواجهة ، وليس هناك أقوى من المواجة الفكرية ، لأن المستبد لا يسود إلا بإيديولوجية ما ، لهذا علينا البدأ بنقد المسيطر من خلال نقد آليات سيطرته التي يصوغ بها إستبداده ويشرعنه ويجعله مقبولا ، وعلينا فضح ما يريد إخفاءه ، علينا الجهر بمطالبنا المدنية وحقوقنا الإقتصادية ، علينا المطالبة جهرا بأننا نريد دولة المواطنين وليست دولة الأمراء .

من ذاخل المعتقل ، ومن زنزانتي أرفع معكم كل التحدي ، قبلكم وبعدكم ، بينكم ، وفي بعدٍ عنكم ، في زنزانتهم وبين أيديهم أعلن ثورتي الدائمة ضد الإستبداد والحكم الفردي ، أعلن ثورتي الدائمة من أجل وطن حر ديمقراطي ، علماني يسع الجميع .

عبد الرحيم إدوصالح.
السجن المحلي أيت ملول (2)
28/12/2016 .