عندما يتحوّل الأمازيغ إلى برابرة فعلا هكذا تكون النتيجة .. بقلم الاستاد محمد بودهان

بقلم الاستاد محمد بودهان
22/06/2020

كلمة "بربري" barbare، جمع "برابرة"، والتي لا علاقة لدلالتها بكلمة berbère المصاغة من نفس الجذر، تعني، في أصلها الإغريقي (barbaros) ثم اللاتيني (barbarus)، "الأجنبيَّ" (dictionnaire Larousse)، سواء بعرقه أو بانتمائه إلى حضارة أخرى (Dictionnaire cnrtl) غير عرق وحضارة الذين يشكّل بالنسبة إليهم عنصرا أجنبيا خارجيا، أي "بربريا" كما يسمونه باللغة الإغريقية واللاتينية التي احتفظت على نفس التسمية الإغريقية. 

ولهذا إذا كان الرومان قد أطلقوا وصف "برابرة" على سكان شمال إفريقيا، أي الأمازيغ، فذلك لأن هؤلاء كانوا بالفعل أجانب بالنسبة إلى الرومان، مثل الشعوب الجرمانية التي أطلقوا عليها نفس التسمية (barbarus) رغم أنها كانت شعوبا أوروبية وليست إفريقية. عن هذا المعنى الأصلي المحايد، الذي يعني الأجنبي، سينشأ معنى ثانِ قدحي تابع له يفيد المتوحش، القاسي، المتخلّف، غير المتحضّر...

محمد بودهان

والذي يهمنا، ارتباطا بالموضوع الذي نناقشه، هو المعنى الأول الأصلي في علاقته بالهوية الأمازيغية الجماعية، الأصلية والحقيقية، للمغرب وللمغاربة ولشمال إفريقيا وشعوبها الأمازيغية.

 فمن هو "البربري"، دائما بالمعنى الإغريقي الروماني، بالنسبة إلى هذه الهوية الأمازيغية، الجماعية والحقيقية، ولسكان المغرب؟ أي مَن مِن المغاربة يعتبر نفسه أجنبيا عن الأمازيغية والأمازيغ، ويتعامل معهما على هذا الأساس، أي بصفته أجنبيا؟ إنهم جميع المتحوّلين جنسيا، أي الذين تحوّلوا من جنسهم الأمازيغي إلى الجنس العربي معتبرين أنفسهم عربا، غير منتمين إلى الجنس الأمازيغي ولا إلى الفضاء الثقافي والحضاري واللغوي الأمازيغي، أي يعتبرون أنفسهم "برابرة" بالنسبة إلى الأمازيغية والأمازيغ، حسب المعنى الأصلي لكلمة "بربري" كما سبق شرح ذلك. يبقى أن "البربري" عند الإغريق والرومان كان أجنبيا أصلا وفعلا. أما "البربري" المغربي فهو أمازيغي أصلا وانتماء، لكنه يعتقد واثقا أنه "بربري"، أي أجنبي عن لغته وانتمائه الأمازيغييْن.

وفرْض الانتماء "البربري" بالمغرب ـ وبكل شمال إفريقيا ـ، أي فرض الانتماء إلى شعب وهوية أجنبييْن عن المغرب، كان دائما هو الغاية من سياسة التعريب الجماعية التي ينهجها المغرب منذ 1912، ومن التعريب الفردي الذي انطلق بكل شمال إفريقيا منذ ثلاثة عشر قرنا. وترمي هذه الغاية إلى جعل المغاربة عربا، أي "برابرة" بالمعنى الذي سبق شرحه، أي أجانب عن أمازيغية وأمازيغ المغرب، كما هو حال العرب الحقيقيين الذين هم فعلا أجانب، أي "برابرة" بالنسبة إلى الأمازيغية والأمازيغ بالمغرب وشمال إفريقيا. 

فالتعريب والتحويل الجنسي ـ القومي والهوياتي ـ سياسة تهدف إلى "بربرة" المغاربة، أي تحويلهم إلى "برابرة"، أي إلى أجانب عن لغتهم وانتمائهم الأمازيغييْن. وحتى تنجح عملية "البربرة" هذه، اُختلقت أشجار النسب "البربري"، أي النسب الأجنبي عن الأمازيغية والأمازيغ، وهو النسب العربي المنتحَل، وابتُكرت اللغة الدارجة، ذات المعاني والتراكيب الأمازيغية لكن بألفاظ عربية (نظر موضوع: "متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟" ضمن كتاب "في العربية والدارجة والتحوّل الجنسي الهوياتي")، حتى يبدو الانتماء "البربري" صحيحا، تاما وحقيقيا لا يثير شكّا ولا تساؤلا.

ومنذ 1912، عندما انتقلت عملية "البربرة" من اختيار فردي بسبب ما يوفّره النسب "البربري" من امتيازات سياسية ودينية واجتماعية، إلى اختيار جماعي ومؤسساتي تشرف عليه الدولة ـ التي أنشأتها فرنسا لـ"برابرة" المغرب وأخضعت لسلطتها، ولأول مرة في تاريخ المغرب، جميع القبائل والمناطق ـ، وترصد له ميزانية ضخمة، بدأ عدد "برابرة" المغرب، أي الذين يعلنون أنفسهم أجانب عن الأمازيغية والأمازيغيين، يتزايد بوتيرة سريعة حتى أصبحوا يشكّلون أغلبية مقارنة بعدد الأمازيغيين الذين رفضوا "البربرة" وقاوموها، واحتفظوا بانتمائهم الأمازيغي الأصلي. 

ولأن الدولة المغربية الجديدة التي أنشأتها فرنسا في 1912 هي دولة "بربرية" تدّعي أن انتماءها عربي، أي أجنبي عن الأمازيغية والأمازيغيين وموطنهم الأمازيغي، وهو المعنى المقصود بـ"البربري" بخصوص علاقة العروبة الأجنبية بشمال إفريقيا الأمازيغية، استنادا إلى الدلالة الإغريقية الأصلية لكلمة "بربري" كما أوضحنا ذاك، فقد كان أحد أهم أوراشها الوطنية بعد الاستقلال هو إقصاء الأمازيغية حدّ إبادتها، وذلك بتعميم "البربرة" الشاملة لتحويل كل المغاربة إلى "برابرة"، أي أجانب، في انتمائهم الهوياتي واللغوي، عن الأمازيغية والأمازيغيين، وهو ما يترجمه شعار: "تعريب الإنسان والمحيط والحياة العامة". لقد نجح مشروع هذا الإقصاء الكلي للأمازيغية، الذي أصبح في الوعي السياسي المغربي جهادا ووطنية، ونضالا وتقدّمية، في شيطنة الأمازيغية التي جعل منها مرادفا للاستعمار والتفرقة والعنصرية، وللشر والفتنة، وللوثنية والجاهلية، و"خطيئة أصلية" péché originel لا يمكن التكفير عن إثم أصحابها الأمازيغيين إلا بتبنّيهم للانتماء "البربري" كعرب أجانب، أي "برابرة"، عن الأمازيغية والأمازيغيين. كل هذا جعل من الأمازيغية عدوا تجب محاربته والقضاء عليه. وهذا ما يفسّر أن "البرابرة" المغاربة، أي الذين يعتبرون أنفسهم أجانب عن لغتهم الأمازيغية وانتمائهم الأمازيغي نتيجة عملية "البربرة" التي تعرّضوا لها، أصبحوا من ألدّ المعادين للأمازيغية، التي يعتبرونها إرثا استعماريا، وفتنة وتفرقة وجاهلية...، كما روّجت ذلك عنها سياسة "البربرة" والتحويل الجنسي، القومي والهوياتي، التي تسمى سياسة التعريب.

لكن مع بداية القرن الحالي، وبعد أزيد من نصف قرن من "الجهاد" ضد الأمازيغية لإقصائها وتخليص المغرب منها بـ"بربرة" ما تبقّى من الأمازيغيين، تيقّن "برابرة" المغرب أنه من المستحيل القضاء على الأمازيغية و"بربرة" جميع الأمازيغيين. فلجأوا إلى حل قديم جديد، وهو "السياسة البربرية" الجديدة التي سبق أن طبقت فرنسا صيغتها القديمة بخصوص الأمازيغيين (انظر موضوع: "فشل السياسة البربرية الجديدة" ضمن كتاب "الظهير البربري: حقيقية أم أسطورة؟"). ومفهوم "السياسة البربرية" اسم على مسمّى: فبما أن "البربري" هو الأجنبي ـ أو من يعتبر نفسه كذلك ـ عن الأمازيغية والأمازيغ والأرض الأمازيغية، فإن "السياسة البربرية" هي إذن تلك السياسة التي يرسمها ويخطّطها للأمازيغيين من هم "برابرة"، أي من هم أجانب عن هؤلاء الأمازيغيين. إنها السياسة التي يقرّر بموجبها "البرابرة"، أي غير ا لأمازيغيين، ما يجب أن يكون عليه هؤلاء الأمازيغيون. 

هي إذن سياسة "بربرية"، أي أجنبية، تحدّد وتوجّه مصير الأمازيغيين. فـ"السياسة البربرية" القديمة وضعها الفرنسيون، الذين هم "برابرة" في علاقتهم بالأمازيغيين، أي أجانب بالنسبة إليهم، ليحدّدوا بها ما ينبغي أن يكون عليه هؤلاء الأمازيغيون. وكذلك "السياسة البربرية" الجديدة يضعها "البرابرة"، أي الذين يعتبرون أنفسهم عربا أجانب عن الأمازيغية والأمازيغيين، ويتوفرون على سلطة القرار بالمغرب، كما كان "البرابرة" الفرنسيون، ليحدّدوا بها ما ينبغي أن يكون عليه مصير الأمازيغيين، الذي يقرّره ويرسمه هؤلاء "البرابرة" الأجانب عن الأمازيغية والأمازيغيين، والمنتحلون للانتماء "البربري" العربي، الذي هو انتماء أجنبي عن الانتماء الأمازيغي الإفريقي. الأساسي إذن في "السياسة البربرية" هو مصدرها "البربري"، أي الأجنبي عن الأمازيغية والأمازيغيين والأرض الأمازيغية (انظر موضوع: «متى ننتقل من "السياسة البربرية" إلى "السياسة الأمازيغية"؟» ضمن كتاب "الظهير البربري: حقيقة أم أسطورة؟).

هذه "السياسة البربرية" الجديدة هي التي كانت وراء إنشاء "ليركام" (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية)، الذي كان اعترافا رسميا بالأمازيغية في حدود هذه "السياسة البربرية" الجديدة. ويمكن تلخيص أهداف هذه "السياسة البربرية" الجديدة في إدماج الأمازيغيين كـ"أقلية" ضمن النظام "البربري" الذي يمثّل فيه "البرابرة" "الأغلبية". لكن ينبغي الاعتراف أن هذا الإدماج، عكس الإقصاء الذي عاشته بعد الاستقلال في إطار سياسة "البربرة" الرامية إلى القضاء عليها، كما سبق القول، كان مفيدا للأمازيغية، لأنه يضمن بقاءها والحفاظ عليها في الحدود الدنيا التي تتيحها هذه "السياسة البربرية" الجديدة.

إلا أن هذه "السياسة البربرية" الجديدة، المفيدة للأمازيغية كما كتبت، لم تعمّر طويلا إذ سيوضع لها حدّ بإقرار الترسيم المزعوم للأمازيغية في دستور فاتح يوليوز 2011. لقد كان هذا الترسيم سما في عسل. فبعد حلاوة العسل التي سرعان ما اختفت مع اختفاء الحماس الذي خلقه ترسيم الأمازيغية، بقي السم يعمل عمله ببطء لكن بشكل متواصل وفعّال. وها هي نتائجه بادية اليوم للعيان: إلغاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي كان عنوانا لسياسة إدماج الأمازيغية في النظام "البربري"، كما سبقت الإشارة، والعودة بها إلى ما قبل سياسة الإدماج هذه، أي إلى مرحلة الإقصاء الكلي للأمازيغية، لكن مع تلطيف هذا الإقصاء بممارسته في شكل قتل رحيم euthanasie لها. ولتنفيذ هذا القتل الرحيم في حق الأمازيغية، وُضع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة الوطنية. 

وهذا ما سبق أن شرحناه ونبّهنا إليه عندما بينّا أن الهدف من القانون التنظيمي لتفعيل رسمية الأمازيغية، هو إعدام ترسيمها (انظر موضوع: "قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية" على رابط "تاويزا": http://tawiza.byethost10.com/1tawiza-articles/arabe/organique3.htm). وإعدام ترسيمها يعني قرار قتلها، إلا أنه قتل رحيم، كما أشرت، لأنه تنفيذ لحكم دستوري. وقد شرعت الحكومة في تنفيذ هذا القتل بإصدارها لنص مشروع قانون رقم 04.20، المقصي للأمازيغية من البطاقة الوطنية للتعريف الجديدة، والذي أودعته بمكتب مجلس النواب يوم ثالث يونيو 2020، بعد أن صادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ 12 مارس 2020. وهو مشروع تستهتر فيه هذه الحكومة، وبكثير من الصلف والتحدّي والأمازيغوفوبية، من الدستور ومن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والذي سبق أن حرّرته هي نفسها (انظر موضوع: "في تعِلّة إقصاء الأمازيغية من مشروع البطاقة الوطنية" على رابط "تاويزا": http://tawiza.byethost10.com/1tawiza-articles/arabe/cin.htm).

هكذا انتقلت القضية الأمازيغية بعد الاستقلال من الإقصاء الكلي إلى الإدماج، الذي تمثّله مرحلة "ليركام" التي هي رمز "للسياسة البربرية" الجديدة، ثم العودة إلى الإقصاء عبر ترسيمها الدستوري، الذي هو سمّ مدسوس في عسل، كما قلت، والذي يمثّل مرحلة القتل الرحيم للأمازيغية.

هذا المصير الذي ينتظر الأمازيغية في ظل قرارات وقوانين أصدرها في شأنها غرباء عنها، أي "برابرة" بالمعنى الذي سبق شرحه، شيء منطقي وطبيعي. ولهذا فمن السذاجة والغفلة الانتظار من أجانب عن الأمازيغية أن يعتنوا بها وينهضوا بها بشكل جدي وصادق. مع أن الذي جعل منهم أجانب عن الأمازيغية، أي "برابرة" في علاقتهم بها، هو رفضهم لها وإعلانهم الحرب عليها وإظهارهم العداء لها. وهو عداء لا نجده عند العرب الحقيقيين، عرب الشرق الأوسط. وهذا وحده دليل كاف أن "برابرة" المغرب، أي الذين يعتبرون أنفسهم أجانب عن الأمازيغية والأمازيغ، ليسوا عربا كما يدّعون، وإلا لتعاملوا مع الأمازيغية كما يتعامل معها العرب الحقيقيون، الذين لا يظهرون عداء لها ولا يعلنون حربا عليها.

ومن هنا لا يمكن رد الاعتبار للأمازيغية، كهوية جماعية للمغرب وللمغاربة وللدولة المغربية، ما لم تكن هناك سياسة أمازيغية، كنقيض مباشر "للسياسة البربرية"، تكون فيها الأمازيغية صاحبة القرار السياسي بدل أن تكون مجرد موضوع لقرارات سياسية "بربرية"، أي يتخذها في حقها غرباء عنها. «فبما أن كلمة "أمازيغي" هي التسمية التي أطلقها الأمازيغيون على أنفسهم بأنفسهم، فإن "السياسة الأمازيغية" هي تلك السياسة التي يقرّرها الأمازيغيون لأنفسهم بأنفسهم، مع أخذ زمام مصيرهم بيدهم. فـ"السياسة الأمازيغية" لا تعني إذن أكثر من استعادة الأمازيغيين لسيادتهم الأمازيغية على أرضهم الأمازيغية. وهذه السيادة لا يمكن أن تأخذ إلا شكل دولة أمازيغية ـ بالمفهوم الترابي وليس العرقي ـ ذات سلطة أمازيغية وبهوية أمازيغية انسجاما مع الأرض الأمازيغية» (من موضوع: "متى ننتقل من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟"، المنشور ضمن كتاب "الطهير البربري...").

لكن يجب الوعي أن الوصول إلى فرض السياسة الأمازيغية كسياسة للدولة باعتبارها دولة أمازيغية، دائما بالمفهوم الموطني الترابي، يقتضي عودة "برابرة" المغرب المغرَّر بهم إلى أمازيغيتهم كمنتمين إليها وليس كـ"برابرة"، أي كأجانب عنها، حيث ينتقلون من رفضها إلى الاعتزاز بها والدفاع عنها. ولا بد لهذه العودة أن تسبقها، كما أشرت، عودة الدولة نفسها إلى أمازيغيتها. فكما أنها هي التي قادت عملية "بربرة" المغرب، دائما بالمعنى الذي سبق شرحه، كسياسة عمومية، فهي التي يجب أن تقود عملية إعادة تمزيغه، كما كانت هويته الجماعية قبل 1912، كسياسة عمومية كذلك، مع ما يتطلّبه تنفيذ هذه السياسة من موارد وقوانين وقرارات.

قد يكون أتعس الناس، نفسيا ووجوديا، ذلك الذي أصبح أجنبيا عن ذاته وغريبا عن هويته و"بربريا" بالنسبة إلى انتمائه. لماذا قد يكون الأتعس؟ لأنه بلا مأوى يأوي إليه، وهو المأوى الذي تشكّله الهوية الجماعية، وبلا جذور ولا أصول يفتخر بها بعد أن أنكرها و"تبربر" لها، أي اعتبر نفسه أجنبيا عنها. فهو يعيش "لقيطا" هوياتيا لأن الذين يعتقد أنهم منحوه هويتهم بالتبنّي لا يعترفون بانتمائه إليهم.

 وهذا حال "برابرة" المغرب الذين يدّعون أن هويتهم عربية، لكن العرب الحقيقيين يرفضون اعتبارهم كذلك، ويصرخون في وجوههم بأنهم "برابرة"، بالمدلولين اللذيْن يعنيهما لفظ "برابرة": هم "برابرة" بمعنى سكان شمال إفريقيا الأمازيغيين، كما تسميهم كتب التاريخ العربية، وهم "برابرة" أيضا بالنسبة إلى العرب، أي أجانب عنهم وفق المعنى الإغريقي للفظ "بربري"، حسب ما سبق أن رأينا. فبلا هوية جماعية معترف بها، يعتز صاحبها بالانتماء إليها، يعيش "البربري" المغربي، الرافض لأمازيغيته، بلا عزة ولا كرامة هوياتية، لأنه يعيش طول حياته على استجداء الأجانب الحقيقيين أن يتكرّموا عليه ببعض فتات هويتهم العربية الحقيقية، التي نقدّرها ونحترم أصحابها العرب الفخورين بالانتماء إليها، بنفس القدر الذي نستنكر فيه انتحال "برابرة" المغرب، دائما بمعنى الأجانب عن أمازيغيتهم، الانتماء إلى هذه الهوية العربية التي لا تعترف لهم بذلك، رفضا منها للزيف والتزوير.

لكل هذا فإن العودة إلى الأمازيغية، كهوية جماعية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، وكمصدر فخر واعتزاز لجميع المغاربة، هي عودة "للبرابرة" إلى حقيقتهم الأمازيغية غير "البربرية". وهو ما سيحرّرهم من الحجر الهوياتي والزيف "البربري". أليس بالحقيقة يتحرّر الإنسان، كما يُنسب ذلك إلى المسيح (الحقيقة تحرّركم)؟