الوضع الراهن للنضال من أجل الأمازيغية بالمغرب و مهام المناضلين الديمقراطيين الجذريين

قبل التطرق لوضع النضال من أجل الأمازيغية اليوم بالمغرب، لابد من التذكير بالمراحل التي مر منها هذا النضال و طبيعته.

و يمكن تقسيم عمر الحركة الأمازيغية إلى مجموعة من المراحل. المرحلة الأولى (1967 – 1990) ميزت بدايات بروز الحركة الثقافية الأمازيغية منذ ولادة أول جمعية ثقافية أمازيغية (الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي) ثم الجمعية الجديدة للثقافة و الفنون الشعبية (تماينوت). كانت مرحلة للإرهاصات الأولية لظهور الحركة الأمازيغية و التي اتسمت بالعمل الثقافي مع غياب أي أرضية مطلبية إلى جانب تبني تكتيك المهادنة خلالها، و بالرغم من ذلك كانت فترة الثمانينات مرحلة قمع و حصار و منع أي تحرك باسم الأمازيغية (اعتقال علي صدقي أزايكو، اختطاف بوجمعة الهباز، مصادرة مجلات أمازيغية و منع أنشطة الجامعة الصيفية).



ابتدأت المرحلة الثانية (1991 – 2000) بتوقيع ميثاق أكادير في 1991 من طرف ست جمعيات و تبنتها معظم الجمعيات الأمازيغية فيما بعد. بخصوص المطالب المندرجة في ميثاق أكادير (الدسترة – الإعلام – التعليم...) كانت نخبوية و لا ترتبط عضويا بالحاجات اليومية للإنسان الأمازيغي عكس ما حصل في تجربة الحركة الثقافية الأمازيغية بالجزائر و تنسيقية العروش بالخصوص التي تبنت المطالب الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية علاوة على الحريات العامة (أنظر أرضية القصور) مع تجسيد الخيار النضالي الاحتجاجي الميداني. بينما في المغرب تم الاستمرار في تكتيك المهادنة حتى لذى الفاعلين الذين صاغوا ميثاق أكادير و وقعوا لاحقا على بيان شفيق (2000)، و غلب عليهم الجانب المرافعاتي و توجيه الملتمسات للأحزاب السياسية و النخب البرلمانية و المؤسسة الملكية، و تم استبعاد الخيار النضالي الميداني، و يمكن اعتبار ذلك نتيجة لنخبوية الحركة و ضيق أفق قيادتها الليبرالية.


اتسمت المرحلة الثالثة (2001 – 2010) بعدم استفادة الحركة الأمازيغية بالمغرب من تجربة نظيرتها بالجزائر فيما استفاد منها النظام المغربي و سارع إلى خلق معهد يسعى من خلاله إلى احتواء نخب الحركة، و ذلك ما حققه بالفعل بعد الخيانة المشؤومة و التاريخية من طرف كوادر الحركة لقواعدها، و التي جرت فصولها داخل منزل محمد شفيق بعقد اتفاق سري يفضي إلى التفاعل الإيجابي مع قرار المؤسسة الملكية بإنشاء معهد ملكي للثقافة الأمازيغية. فبعد احتواء نخبة الحركة الأمازيغية فقدت هذه الأخيرة بوصلتها، و نتج عن ذلك تقلص خطير في قاعدتها التي اتجهت غالبيتها إلى العمل التنموي و الثقافي بعقد شراكات مع المعهد الملكي و في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. غير أن هناك قلة قليلة لازالت ممانعة برفضها للظهير الذي تأسس عليه المعهد (أزطا مثلا). و بعد إجهاض مقترح المسيرة الوطنية "تودا"، بظهور المعهد، أصبحت الحركة الأمازيغية على هامش الحركة الاجتماعية بالمغرب مع غياب بدائل و برامج نضال حقيقية حتى في الإطارات التي لازال فيها نزر يسير من الممانعة. 
و عرفت هذه المرحلة كذلك الاستجابة لبعض المطالب و لو بشكل مشوه و نذكر منها تدريس اللغة الأمازيغية منذ 2004 و انطلاق القناة التلفزية بالأمازيغية منذ 2008.

و في ظل حالة التيه التي كانت تعيشها الحركة الأمازيغية ظهرت بعض الخيارات من قبيل الحكم الذاتي للريف و لسوس الكبرى، أرضية الاختيار الأمازيغي، الحزب الديمقراطي الأمازيغي و مشاريع أحزاب جديدة، و الؤتمر العالمي للشباب الأمازيغي ... لكنها خيارات تمثل كلها هروبا إلى الأمام بعدم قدرتها على بلورة بدائل جذرية ديمقراطية و تقدمية تتعاطي مع المطالب الأمازيغية في شموليتها و في علاقتها بالمطالب الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و البيئية و بالمسألة الديمقراطية بشكل عام. و كانت هناك بوادر فعل أمازيغي حقيقي مع جبهة "أميواي" للعمل الأمازيغي بقيادة الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة في 2008/2009، إلا أن هذه التجربة قد تم إجهاضها بدورها نظرا لطبيعة قيادتها الانتهازية و الضيقة الأفق. و قد عرفت هذه المرحلة ظهور توجه أمازيغي كفاحي انبثق من داخل بعض فروع أزطا في 2006، و هو توجه نقذي لوضع النضال من أجل الأمازيغية، فقام بسجال فكري و نقد علمي لطروحات الحركة و توفير أرشيف و أدب مهم حول المسألة القومية. 

و في سنة 2011 مع بروز حركة 20 فبراير المجيدة، اعتبر مطلب الأمازيغية مطلبا شعبيا تم إدراجه ضمن أرضية حركة 20 فبراير و أصبح يرفع في الشوارع و الساحات العمومية، إنها مرحلة كادت أن تكون حاسمة لولا تخاذل مجموعة من القوى التي أبان التاريخ عن مدى انتهازيتها و اندماج مصالحها مع مصالح النظام القائم. لقد كان مطلب الأمازيغية مرهونا بمطلب المجلس التأسيسي و الدستور الديمقراطي و بسؤال السلطة و الثروة في البلاد، فلا أمازيغية بدون ديمقراطية حقيقية، لكن قيادات الحركة الأمازيغية اختارت الحضور في لقاءات لجنة "المانوني"، مستشار الملك، لتقديم مقترحاتها حول الأمازيغية في "الدستور الجديد"، دون استشارة قواعدها (نموذج أزطا أمازيغ) ، فكان المنتوج مشوها و تم ترسيم الأمازيغية في درجة ثانية مع اشتراط تفعيلها بإصدار قانون تنظيمي، و هذا في سياق التفاف النظام على مطالب حركة 20 فبراير و نهجه لسياسة أمنية قمعية مشددة.

أما عن الوضع الراهن و منذ 2012، فقد بلعت أغلب مكونات الحركة الأمازيغية الطعم، و واصلت تكتيكها المؤسساتي، حيث أصبحت تطالب بالقانون تنظيمي لتفعيل دسترة الأمازيغية و إدماجها في السياسات العمومية، بل منها من حصل على تمويلات من الاتحاد الأوروبي و السفارات الأجنبية (أزطا أمازيغ) قصد إعداد مشروع قانون تنظيمي و الترافع به لدى أحزاب الأغلبية و "المعارضة" و الفرق البرلمانية، فتبنت إحدى أحزاب "المعارضة"، آنذاك قبل أن تنتقل إلى الأغلبية الحكومية (حزب التجمع الوطني للأحرار)، مشروع القانون التنظيمي الذي وضعته أزطا، لكن كل تلك المجهودات باءت بالفشل بعد رفض الحكومة لهكذا مشروع و تخلي الحزب المذكور عنه.

كما تجدر الإشارة إلى أن قرار وضع مشروع قانون تنظيمي كان بدوره قرارا فوقيا للمكتب التنفيذي لأزطا و لم يتم فيه استشارة اللجنة الوطنية و لا المؤتمر الوطني الذي انعقد قبل ذلك بقليل، هذا الأخير الذي آخذ قيادة أزطا على حضورها في لجنة المانوني. و عوض أن تقوم قيادة أزطا بتقييم موضوعي و نقد ذاتي لخطواتها و استراتيجيتها النضالية، كما طالبت بذلك ورقة إحدى الفروع في المؤتمر الوطني الرابع، اختارت سياسة الهروب إلى الأمام بالغوص في المزيد من المشاريع الممولة من السفارات الأجنبية تروم إدماج الأمازيغية في السياسات العمومية في ظل وضع سياسي يتسم بهجوم كاسح على الحقوق و الحريات و بتراجعات خطيرة عن المكتسبات (تدريس الأمازيغية نموذجا)، و تربع القوى المحافظة و المعادية تاريخيا للأمازيغية على رأس حكومة الواجهة. و لغرض مناوشة الحكومة، ليس إلا، تم تشكيل "فدرالية وطنية للجمعيات الأمازيغية"، و التي جاءت في الحقيقة كنتيجة لتصارع الأجنحة اليمينية فيما بينها داخل أزطا أمازيغ، فنهجت بدورها سياسة المشاريع و التمويلات الخارجية، و لكن هذه المرة من منظمات أمريكية، لتقوية القدرات التي لم تتقوى بعد منذ 2004 و ما قبلها.

و بالنسبة لباقي مكونات الحركة الأمازيغية، بجمعياتها و تنسيقياتها، فهي منغمسة في عملها الثقافي و التنموي الضيق الأفق، و تنتظر مصادقة البرلمان على قانون تنظيمي يرسم لها معالم إدماج الأمازيغية في جميع مناحي الحياة العامة.

إلا أن ما لا يزال يجعلنا متفائلين و مراهنين على مساهمة الفعل الأمازيغي في التغيير المنشود هم أولائك الشباب الجذريين الذين لم يعودوا يعولون على قيادات الحركة الأمازيغية بل تجاوزوها و أخذوا يخرجون إلى الشارع كل عام في ذكرى الربيع الأمازيغي، بالرغم من شتى أنواع التضييق و القمع الذي يتعرضون له، مطالبين بالترسيم الحقيقي للأمازيغية في دستور ديمقراطي شكلا و مضمونا يؤسس لنظام ديمقراطي و علماني بالمغرب، فلأولائك الشباب و لعموم المناضلين الديمقراطيين الجذريين نتوجه بتحليلنا و قراءاتنا لوضع النضال من أجل الأمازيغية بالمغرب قصد البلورة الجماعية للمهام المطروحة.


مهام المناضلين الديمقراطيين الجذريين
قبل الخوض في مهام المناضلين الديمقراطيين الجذريين إزاء القضية الأمازيغية، لا بد من توضيح ما الذي نقصده بالمناضلين الديمقراطيين الجذريين، إننا نقصد به كل المناضلين الجذريين داخل الحركة الأمازيغية و خارجها الذين تجمعهم قناعة أن لا حل للقضية الأمازيغية خارج دائرة الصراع من أجل الديمقراطية الحقيقية في البلاد، سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا و بيئيا. 

و بذلك فمن بين المهام المطروحة على المناضلين الديمقراطيين الجذريين:

- توحيد صفوفهم و بلورة تصور و برنامج عمل مشترك.

- القيام بتقييم مشترك لأداء الحركة الأمازيغية بالمغرب و شمال إفريقيا و بالمهجر، و بلورة البدائل الممكنة.

- الإشتغال على مواضيع أخرى لا تقل أهمية عن الترسيم و الإدماج، و نذكر منها: اغتصاب أراضي الفلاحين الفقراء و سكان البوادي، خوصصة و تفويت منابع المياه و استنزاف الفرشة المائية، الحق في الثروات الطبيعية (المناجم مثلا) و ضد التأثيرات البيئية على أراضي الفلاحين الفقراء، السياسة الفلاحية و السيادة الغذائية بالمغرب، السياسة التعليمية و وضعية تدريس الأمازيغية و التدريس بها، مواجهة المد الظلامي و نشر قيم التقدم و العلمانية، الأمازيغية في ظل العولمة النيوليبرالية، الهجرة و أوضاع العمال المهاجرين في الخارج.

تاريخ المقاومة بشمال إفريقيا و وحدة مصير شعوبها .
بقلم : عبد الكريم اوبجا