الأمازيغية التي يريدها البيجيدي : لكم أمازيغيتكم ولنا أمازيغيتنا !!

بقلم : الطيب أمكرود 
منذ احتدام النقاش العمومي حول ملف الأمازيغية، بعد تدشين الدولة لمشروع إعادة الاعتبار لها، لم يتوقف المصباحيون عن محاولة تحريف هذا النقاش نحو مسارات تعاكس المسار الذي اختاره الفاعلون الميدانيون المهتمون بالقضية في شموليتها.

فبعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001 والشروع في 2002 في الإعداد لأول إدماج رسمي للغة الأمازيغية في التعليم، اكتشف المغاربة فجأة أن نسيجا جمعويا ضخما يمتح من معين الإسلام السياسي معني أيضا بالقضية الأمازيغية لاسيما حرف كتابتها؛ اندلعت "معركة الحرف" واحتدم النقاش بين ثلاثة تيارات: تيار ينتصر للحرف اللاتيني العالمي ويضم أغلب الفاعلين الذين ظلوا طيلة سنوات الرصاص يعملون من أجل الأمازيغية من باحثين ومختصين في مختلف العلوم وكتاب وشعراء ومفكرين وفاعلين جمعويين، تيار ينتصر للحرف الأمازيغي تيفيناغ بوصفه يمثل الأصالة والعراقة والتاريخ والمشروعية، وتيار ثالث يمثله النسيج "الجمعوي الأمازيغي" المزعوم الذي ظهر فجأة ودون إرث، رصيد أو مقدمات وهو المروج لطرح البيجيدي ومختلف أذرعه المدافع عن الحرف العربي كحرف أنسب حسبه لكتابة اللغة الأمازيغية.

لافتة مبهمة رفعها حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمره الاستثنائي الاخير 


استخدم البيجيديون كل الأدوات وعلى رأسها الإيديولوجيا في نقاشهم مستبعدين كل ما هو علمي لربح المعركة وفرض كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف الآرامي، لتضع حرب الحرف أوزارها بعد الانتصار لتيفيناغ.

اشتغل المختصون على تأهيل حرف تيفيناغ، واعتمد كحرف رسمي ووحيد لكتابة اللغة الأمازيغية في المغرب، بل أن التجربة المغربية وجدت لها موطئ قدم في البلاد المجاورة، وولجت الأمازيغية المؤسسات التعليمية بحرفها تيفيناغ منذ 2003، واعترف المغرب من خلال دستور 2011 بالأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، وانتهى النقاش حول الحرف واللغة لدى الديمقراطيين ليشرع المغاربة في التأسيس لفترة ما بعد الدسترة، بينما ظل البيجيديون يشوشون على الأوراش التي فتحها المغاربة لتأهيل الأمازيغية متجاهلين أن حرف كتابتها الرسمي هو تيفيناغ وأن النقاش بصدده  وبصددها قد انتهى.

يذكر المغاربة أن زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة بعد 25/11/2011 وصف حرف تيفيناغ بالشينوية خلال تجمع خطابي لحزبه برسم الحملة الانتخابية الممهدة لوصوله لمنصب رئاسة الحكومة، بل تحدى المتحلقين حوله والمتتبعين لخرجاته بكونه سيقدم استقالته إن تمكن المرحوم عبدالله باها من فك رموز الشينوية حسب وصفه لتيفيناغ، بعد أن تساءل وتحدى منافسيه حول أي أمازيغية يريدون أتلك الأمازيغية المكتوبة بحروف كالشينوية (مشيرا إلى تيفيناغ) أو تلك الأمازيغية المكتوبة هناك(مشيرا إلى لافتة معلقة بالقاعة)، قرأ المكتوب ودعا من حوله لترديد ما اعتبره أمازيغية حزبه "الحقيقية" من خلال عبارات تضمنتها لافتة كتبت بأي شيء إلا الأمازيغية: « kull nnkh a nbniw liislah ddimoqrati kull nnkh a nhafed ghifs »، (ترجمتنا: كلنا سنبني الإصلاح الديمقراطي وكلنا سندافع عنه) هذه هي الأمازيغية التي يحلم البيجيدي بترسيمها، والنموذج عبارة عن لافتة علقها الحزب خلال تجمع خطابي خلال الحملة الانتخابية لبرلمانيات 25 نونبر 2011، كتبت بالحرف الذي يستميت البيجيدي من أجل فرضه رغم نهاية النقاش ولا تضم من الأمازيغية إلا كلمتين بينما الباقي: بنى، الإصلاح، نحافظ كلمات عربية... إنها أمازيغية البيجيدي: حرف عربي وكلمات عربية في قوالب أمازيغية استعدادا للإقبار النهائي للغة عمرت قرونا تمثل أصالة وعراقة وتاريخ ووعاء ثقافة المغاربة ورافدا اساسيا من روافد هويتهم.

بعد وصوله لموقع رئاسة الحكومة، وكتقية سياسية كف عبد الإله بنكيران بعض لسانه عن الأمازيغ والأمازيغية دون أن يعني ذلك أن موقفه وحزبه منهما ومن حرف تيفيناغ قد تغير، فخلال المؤتمر الاستثنائي للحزب ليوم 28 ماي 2016 رفعت عشرات اللافتات حضرت بينها لافتة بالأمازيغية اختار الحزب بعد خمس سنوات من التواجد برئاسة الحكومة كتابتها بحرفها الرسمي تيفيناغ دون التزحزح عن وفائه لمواقفه الأزلية غير المعلنة من الأمازيغية، فقرر كتابتها أيضا بالحرف الآرامي كحرف ذي حمولة إيديولوجية يوحي من خلاله الحزب لمريديه أن لا تنازل عن مسلمات الحزب ومنها مسلمة كتابة الأمازيغية بالحرف الآرامي.

المثير في اللافتة المذكورة أنها لا تختلف كثيرا عن لافتات الحزب سواء بعد استوزار المنتسبين إليه أو قبله، فرغم كتابتها بتيفيناغ توحي اللافتة أن من صاغها وفي للانطلاق من العربية نحو العربية، بعيد كل البعد عن الإلمام بأبسط قواعد الأمازيغية، بل إنه يطبق نفس القاعدة التي يطبقها عدد من المسؤولين عند تسمية إداراتهم بالأمازيغية عبر تعليق يافطات على واجهاتها يكتبون عليها أي شيء بتيفيناغ إلا الأمازيغية للإيحاء للمتلقي أن تلك الإدارة قد أنصفت الأمازيغية، فالأمازيغية قبل كل شيء منطق، وهي على غرار باقي اللغات الطبيعية تركيب وصرف ومعجم ودلالة وتداول، فهل احترمت لافتة البيجيدي مقومات وأسس وقواعد اللغة الأمازيغية ومنطقها؟

Tamaghadt d tamssusaght n istayn

Ad gan d tayri n ugdud d ummsrus n umur

ماذا يريد صائغ العبارة أن يقول؟

سأحاول أن أتكهن بالمراد إيصاله إلى المتلقي من قبل من صاغوا العبارة المكتوبة على لافتة البيجيدي اليتيمة باللغة الأمازيغية، وقبل ذلك يستنتج من منطق الكلام أن مهندس اللافتة ينطلق من العربية، بل يترجم عنها، فماهي منزلقاته على مستوى اللغة؟



على مستوى التركيب: syntaxe

تتضمن العبارة الأولى خطأ على مستوى التركيب، إذ أن الكلمةالمرتبة بعد حرف العطفd  تكون في وضع إلحاقétat d’annexion  وهو ما لا أثر له في كلمة tamssusaght، وتظهر كلمة umur في وضع إلحاق خطأ مما حرف المعنى ، حيث أن amur الذي يصبح في وضع إلحاق على هيئة umur يدل في اللغة الأمازيغية على السهم والنصيب، ... Portion, partie, part  بينما يقصد كاتب اللافتة الوطن amur الذي يصبح في وضع الإلحاق wamur.

على مستوى الصرف:morphologie

يعتبر وضع المصطلح في اللغة الأمازيغية من أصعب المهام، ويتطلب القيام به التمكن من اللغة في جميع تمظهراتها معجما، تركيبا، صرفا، دلالة وتداولية... ويقوم بالمهمة أخصائيون يحملون شهادات عليا في اللسانيات الأمازيغية وبارعون في أغلب تخصصاتها، وبقراءة لافتة المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية يكتشف الملاحظ منذ الوهلة الأولى بعدها عن المذكور هنا، فبنية كلمتي tamaghadt  وtamssusaght ليست بنية مصدرية بل بنية اسم الفاعل في اللغة الأمازيغية، بينما صيغت كلمة ammsrus من قاعدة معجمية تتضمن صرفة التبادلية mm وهو خطأ قاتل في البناء المصطلحاتي الذي ينطلق من الجذر في طبيعته الأولى قبل أي اشتقاق أو زيادة.

على مستوى المعجم:lexique

يبدو جليا أن من أوكلت إليه مهمة وضع عبارات لافتة مؤتمر البيجيدي باللغة الأمازيغية لم يوفق في مهمته، فعوض الاحتكام إلى العقل والمنطق والعودة إلى أهل الاختصاص المتمكنين من اللغة اقتصر الحزب على " أخصائييه الكبار" في اللغة الأمازيغية فأخرجوا لافتة المؤتمر الوحيدة بالأمازيغية طبعا مع كتابتها أيضا بالحرف الآرامي بين عشرات اللافتات بالعربية.

فالكلمة الأولى tamaghadt يمكن التكهن بأنها اشتقت من الجذر aghd أي استقام للإحالة على الاستقامة، وصيغت الكلمة الثانية tamssusaght من جذر غير معلوم الدلالة والمعنى، فبعد حذف صرفة التأنيث في الأمازيغية t…t ، وصرفة التبادلية m وصرفة التعدية ss نصل إلى القاعدة المعجمية usagh المعتمدة بوعي أو عدمه من قبل واضع أو واضعي عبارات اللافتة.

ويقصد خطأ بagdud  في اللافتة المواطن والكلمة معجميا تحيل على الجمهور بينما المواطن هو anamur، وب amssurs البناء ودلالته هي الواضع من جذرsrs  أي وضع، وب umur  الوطن، لنخلص، رغم عدم تمكننا من معرفة كنه الكلمة الثانية إلى الصيغة الأصلية للافتة والتي انطلق منها لصياغتها بالأمازيغية وهو خطأ قاتل في الترجمة ووضع المصطلح في جميع اللغات:

نزاهة/ استقامة  و؟؟؟؟؟ الانتخابات

حب للمواطن وبناء للوطن

فإلى أي حد وفق "لسانيو" الأمازيغية المفترضون الخاصون بحزب العدالة والتنمية والمنتسبون إليه في احترام هذه اللغة قبل أهلها؟ ومن يخاطب الحزب بلافتة لا يمكن أن تفهم إلا بعد إعمال الاحتمالات والتكهنات وإجهاد العقل؟ واي براءة تتلمس من إصرار الحزب على ازدواجية حرف كتابة الأمازيغية على أوراقه رغم إجماع المغاربة على رسمية تيفيناغ؟