تدريس الأمازيغية... هكذا تنكشف الأكذوبة

أثار القرار الأخير لأكاديمية الرباط ومعها مجموعة من النيابات التعليمية بشأن "وقف" تدريس الأمازيغية بالتخصص و"إنهاء" تكاليف الأساتذة المكلفين بتدريس هذه المادّة، إلى جانب "إجبار" البعض من أساتذة مادّة اللغة الأمازيغية المتخرجين بهذه الصفة على تدريس مواد أخرى، أثار موجة سخط عارمة وتنديد صريح من جانب بعض الإطارات الجمعوية الأمازيغية التي عبّرت –مرّة أخرى- عن "استيائها" العميق و"تذمرها" الكبير من هذه التراجعات و"استعدادها" لتنظيم وقفات أمام مصالح الوزارة الوصية.

لا بدّ أن نذكر في البداية إلى أن هذه القرارات ليست وليدة اليوم، فهي حلقات متوقّعة من مسلسل يمكن لأي كان أن يفهم ما يلي من أحداثه، إن هذه المناسبة تستحق الوقوف عندها للتذكير ببعض الأحداث والوقائع، من منّا لا يعرف قصّة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"؟؟؟ إنها القصّة التي تنطبق على ما تعيشه أساتذة اللغة الأمازيغية. 



خلال الدخول المدرسي 2013/2014 تمّ إجهاض مشروع الأستاذ المتخصص في نيابتي الرشيدية وخنيفرة، وكانت حينها لقياس مدى مناعة الجسد الأمازيغي، خطوة إكتفت حينها الإطارات الجمعوية الأمازيغية ببيانات "تنديد" يتيمة باستثناء بعض جمعيات مدينة خنيفرة، وظل غيرها يرقص على الألحان الحزينة لدفن المشروع مدرفا دموع المواساة لا غير، ولا ضير أن نشير الآن –وليس قبله- إلى أن الأنفة وعزة النفس جعلتنا نقرر مواجهة مصيرنا في صمت ونحن "نهجّر" بعيدا عن الأهل، تجنبا لأي تأويل قد يعتبر المسألة شخصية وذلك عقابا لنا على تحركاتنا ضد "احتقار" الأمازيغية في المدرسة.

خلال الدخول المدرسي 2014/2015، كنّا نبهنا ومنذ الأسبوع الأول من شتنبر إلى تراجعات "كبرى" سيشهدها مشروع "إدماج" اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية دشّنتها جهات رسمية وأخرى مجتمعية بتصريحات متعجرفة، وهو ما تبلور في أقل من أسبوعين حيث استمرت "مدفعية" جيوب المقاومة والعقليات الرجعية في "قصف" ما تبقى من أساتذة الأمازيغية، تارة تحت ذريعة الخصاص في الموارد البشرية، وتارة بحجة كون وضعية اللغة الأمازيغية غير "واضحة"، مستقوية في ذلك بتصريحات مسؤوليها "غير المسؤولين" وصمت ووهن النسيج الجمعوي الأمازيغي.

خلال كل هذه المحطات ظلت فيدرالية جمعيات مدرسات ومدرّسي اللغة الأمازيغية تواجه الوضع بإمكانيات شبه معدومة وكأنها الإطار الجمعوي الوحيد الذي يهمّه تدريس الأمازيغية، وكشفت بعض المحطات أن هناك من لا يهمّه في الأمازيغية إلا الارتزاق واستراق الميكروفونات للحديث باسم الأمازيغية والأمازيغ.

أثناء أشغال الندوة الوطنية حول تدريس اللغة الأمازيغية التي احتضنتها مدينة تافراوت خلال شهر غشت الفارط، وخلال مداخلتنا بحضور عميد المعهد الملكي وممثل وزارة التربية الوطنية، نبّهنا إلى التجاوزات التي يعرفها مشروع تدريس اللغة الأمازيغية ووضعنا النقاط على الحروف بالمباشر، سجلنا تحفظنا على الأرقام المقدّمة من جانب ممثّل الوزارة، ووضّحنا بعض الأمور التي حاول السيد العميد تنميقها وفق ما تقتضيه راهنية القضية بغير قليل من الجرأة، وهو ما أثار البعض ممن حاول اللعب على وتر "التفاؤل" و"الرصانة" وغيرها من المفاتيح السحرية لنيل رضى من يعدمون مشروع تدريس الأمازيغية اليوم.

اليوم إذا حق لنا أن نقول للمغاربة إن تدريس الأمازيغية وهم في وهم، إن الارادة السياسية غائبة تماما لدى الدولة المغربية وخصوصا الحكومة الحالية في إنصاف الأمازيغية، إن السلطات التربوية بهذه البلاد تعتبر الأمازيغية مجرّد طفل غير شرعي وجب مهادنته درءا للفضيحة، حق لنا أن نقول إن أمازيغ القاعات المكيّفة وفنادق الخمسة نجوم يخونون أمّهم الأمازيغية دون استحياء وهم يغضون الطرف عن هذه المجازر التربوية، إن المعهد الملكي شاهد على طلاق الأمازيغية من المدرسة المغربية وهو الذي سهر على تزويجهما ذلك الزواج القسري.

في الأخير، نعلنها وبكل صراحة، مواجهة عرقلة وإفشال تدريس الأمازيغية ليس مسؤولية الأساتذة وجمعياتهم المهنية لوحدها، بل مشروع مجتمعي يجب أن تتحمل مسؤوليته الدولة المغربية أولا، ثم من يسمّون ممثلي الشعب من حكومة وبرلمان، وصولا إلى كل القوى المجتمعية الديمقراطية السياسية والجمعوية، وخصوصا النسيج الجمعوي الأمازيغي الفاتر، الذي أبان هذه المرّة عن عجز بيّن وجلي.

الكاتب : لحسن أمقران