شهادة المؤرخ بيير فيرمورين في حق الامازيغ المتخصص في التاريخ المغاربي ونقد الاستعمار.

يتميز المؤرخ الفرنسي استاذ التاريخ المعاصر بالسوربون  بيير فيرمورين  pierre vermeren  بخصائص كثيرة تميزه عن باقي المؤرخين الفرنسيين والغربيين المعاصرين ، حيث انه مؤرخ عاش  في الدول  المغاربية سنوات عديدة ومنها 6 سنوات كمدرس للتاريخ  المعاصر بالمغرب . ينتقد بشدة استمرار مظاهر السياسات الاستعمارية لبلاده في عدد من مناطق العالم كما  سعى جاهدا عبر كتاباته الكثيرة الى تبيان الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في عدد من مناطق العالم سواء في الحرب الهندية الصينية او في عدد من الدول الافريقية التي ارتكبت فيها فرنسا فضائع لم يتناولها الاعلام بشكل كبير  كالكامرون و المغرب والجزائر وتونس ..

المؤرخ الفرنسي استاذ التاريخ المعاصر بالسوربون  بيير فيرمورين  pierre vermeren

وقد اهتم المؤرخ الفرنسي بيير فيرمورين المزداد سنة 1966 بدراسة النخب المغاربية و دور التعليم في الدول المستعمرة سابقا من قبل الفرنسيين كما قام بدراسة تاثير الاستعمار الفرنسي السلبي على التطور الطبيعي للديناميات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدول التي كانت ضحية الاستعمار حيث انه اكد بدون مواربة ان الاستعمار الفرنسي كان استعمارا افتراسيا للموارد الطبيعية و عمد الى نهج  استغلالي بشعا للموارد البشرية ولم يفكر في اية لحظة في تنمية اقتصاد البلاد المستعمرة  او  التركيز على بنياتها التحتية عكس الاستعمار الانكلوساكسوني الذي  خلف وراءه البنيات التحتية وبعض معالم الدولة في الدول التي كانت ضحية لاستعماره ، باستثناء تعبيد بعض الطرق التي كان الوصول الى بعض المعادن والترواث ضروريا فان الاستعمار الفرنسي لم يطور المجال المغربي والمغاربي بل استزف ثروات هذه البلدان و اسعبد ابناء المستعمرات و استغل شبابهم في الحروب الخارجية التي قامت بها فرنسا خارجيا.

  كما ان الاستعمار الفرنسي حافظ على البنيات الاستبدادية التقليدية  والذهنيات الاجتماعية والدينية المتخلفة بل و استمات في الدفاع عنها  من اجل استمرار نهبه لثروات الشعوب التي استعمرها بالاستعانة بقوى محلية عميلة من المحميين و القواد الذين نصبتهم فرنسا لقمع بني جلدتهم  ، ففي المغرب مثلا الذي حكمه المقيم الفرنسي  لويس هوبير اليوطي  بين ابريل 1912 و  اكتوبر 1925 ،  نهج فيه المقيم الفرنسي سياسة استعمارية تقوم على مصادرة كل الضيعات افلاحية الخصبة لفائدة المعمرين ونهج سياسة تقريب الاعيان  و الوجهاء على حساب الناس الفقراء و محاولة بناء مقومات سلطة مركزية يعقوبية تهمش بنيات الهوامش واطراف العاصمة على حساب المغرب العميق والمنسي  .

 لذلك لا غرابة  ان  بعد  استقلالات الدول المغاربية  عن الاستعمار الفرنسي وجدت الدول المستقلة  نفسها في وضعية كارثية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مما اثر على وضع شعوبها كما ان الاستعمار الفرنسي قاوم الامازيغ المغاربيين  و همش ثقافتهم بل عمل على استئصال الامازيغية  ومحاولة طمسها لانها منبع المقاومة القروية التي تصدت للجيوش الاستعمارية الفرنسيىة والاسبانية ، مما يفنذ  بعض الاطروحات القومية التي اتهمت بالباطل الامازيغ والصقت بهم تهم العمالة و بانهم حلفاء ليوطي وفرنسا بل بالعكس  الامازيغ مغاربيا كانوا ضحية التعريب و الالحاق التعسفي بالمشرق  ، يقول  البير كامو مؤكدا ما اقول

 :”..ce statut , c’est nous   qui l’avons imposé aux kabyles en arabisant leur pays  par le  caidat et l’introduction  de la langue arabe »  .

 وقد ارجع  بيير فيرمورين  الوضعية الدنيا التي تعرفها مؤشرات التنمية حاليا  في الدول المستعمرة  من قبل فرنسا الى سياسة النهب والتفقير التي اتبعها الاستعمار الفرنسي فمن اصل اكثر الدول العالمية 44 فقرا  تعتبر  17 منها من المستعمرات الفرنسية سابقا . كما ان سياسة” فرق تسود” التي كانت تنهجها السياسة الاستعمارية الفرنسية في البلدان التي استعمرتها  قد خلفت مجتمع سياسي منقسم على نفسه ومتفاوت في تعليمه و في ذهنياته و طبقي بامتياز  في اقتصاده .

فبينما حاولت فرنسا فرنسة نخب معينة من الاعيان والمحميين من اجل احكام قبضتها الامنية القمعية  على البلاد التي استعمرتها، في نفس الوقت فرضت على عموم الشعوب العيش في فقر مدقع و امية متفشية وقوانين تسهل الاستيلاء على اراضيهم الخصبة وعلى ضيعاتهم . يقول بيير فيرمورين :  “غير ان المعمرين والمتنفذين لم يكونوا هم وحدهم المحظوظون في هذا البلد .فكما انه  توجد اوساط شعبية اوروبية (كما في حي المحيط بالرباط) ، توجد كذلك قوة برجوازية مغربية  حضرية  من جهة ، واقطاعية وعسكرية دينية من جهة اخرى .وقد نجحتا في تمتين  قاعدتهما  الاقتصادية  خلال عهد الحماية.

وكان في ادخال المغرب  بدفع من  البرجوازية  الاوروبية في المبادلات في القرن التاسع عشر ما مكن البرجوازية  الفاسية ان تكون لها ثروات  اسرية  “كبيرة” (محمد كنبيب1996) .وان القصور التي كانت  للاسر الفاسية الكبيرة ،والتي  زادتها  توسعة  وتحسينا في القرن  التاسع عشر  لتقوم  شاهدا  على ذلك الثراء ، ولاسيما ان  هذه الاسر  قد صارت  هي الممولة  الرئيسية  لسلطة السلطان .وحصلت ، في المقابل على  مجموعة من الوظائف  الريعية  (في الجمرك) وتحالفت مع  الاسر الارستقراطية الدينية  والعلمية (الشرفا والعلماء)  ومع الاسر المخزنية (المتقلدة اعلى المناصب في الدولة ) (ر.لوتورنو 1987)[1]

يعتبر فيرمورين من المؤرخين الفرنسيين وبل و المؤرخين الغربيين القلائل الذي يؤمنون بوجود قضية امازيغية منسية ومهمشة وتم التضحية بها على حساب ترتيبات سياسية وثقافية قسرية بشمال افريقيا   ومن المثقفين الذين  يعتبرون ان الاستعمار الفرنسي هو سبب تهميش الامازيغ مغاربيا  و جعل قضيتهم  منسية و هو المسؤول عن الوضع الهش الذي تعيش فيه  الهويات الوطنية في الدول المغاربية   ، بل “يبشر ” بان القضية الامازيغية ستطفو في سطح الاحداث مع ازدياد وعي الشعوب وانحسار المد الايديولوجي القومي وترهل بقايا الاستعمار الثقافي .

كما يعتبر pierre vermeren من الباحثين الذي ناصروا تجربة السترات الصفراء بفرنسا والحراكات الديموقراطية  التي عرفتها المنطقة سنة 2011 وما تلاها من تغييرات طفيفة وهشة نحو الديموقراطية . وقد جلبت عليه مواقفه التقدمية من القضايا التقدمية والتحررية  نقمة من انظمة شمال افريقيا واصبح مثقفا مزعجا و مستقلا لا يتوانى في قول ما يفكر به .

 اخيرا لا يمكن ان ننسى بان بيير فيرمورين سليل مدرسة يسارية ديموقراطية كان من اقطابها مشرفه على دكتوراته  روني غاليسو، المؤرخ الذي ناصر ثورات الشعوب وكتب عن الحركة العمالية في البلدان المغاربية  كتابات هامة كما ساهم في التحقيب للثورة الريفية بالمغرب وساهم في تاصيل تاريخي للحركة النقابية المغربية .

هدفنا من المقال هو تسليط الضوء على مؤرخ حقيقي ومناضل فعلي في حقل البحث التاريخي  الذي يعمل بمنهجية علمية  تفكيكية للبحث في حفريات الاثار الاستعمارية في البنيات السياسية والاجتماعية والثقافية المغاربية  وهو قبل كل هذا وذاك باحث مناصر لقضايا الديموقراطية وحقوق الانسان بالبلدان المغاربية .

بقلم : بوبكر أنغير
باحث في قضايا التنمية والديموقراطية وحقوق الانسان
حاصل على دبلوم السلك العالي في التدبير الاداري من المدرسة الوطنية للادارة.
com.gmail@2012ounghirboubaker

[1] بيير فيرموريين  :تاريخ المغرب منذ الاستقلال  ترجمة  عبد الرحيم  حزل  ،افريقيا الشرق 2010 ص 29


Pierre Vermeren, né le 20 janvier 1966 à Verdun, est un historien français, professeur d'histoire contemporaine à l'université Paris 1 Panthéon-Sorbonne depuis 20121. Il est spécialiste du Maghreb et des mondes arabo-berbères2.