ذكرى معركة بوغافر وكيف كبّد الامازيغ بقيادة عسو اوبسلام جيش الاستعمار خسائر فادحة دفاعا عن الوطن

في مثل هذا اليوم 14 فبراير من سنة 1933 إندلعت معركة بوكافر الخالدة بين المقاومين الامازيغ بقيادة القائد الامازيغي عسو اوبسلام، وبين جيش الاستعمار الفرنسي في منطقة بوغافر بالجنوب الشرقي، وقد كبّد المقاومين الامازيغ بصمودهم القوي جيش الاحتلال الفرنسي خسائر فادحة جدا في الأرواح والعتاد،  دفاعا عن الوطن، والذي اضطر للاستعانة بالقصف المدفعي وبالطائرات الحربية لقصف المقاومين الامازيغ المعتصمين بالجبال.

معركة بوغافر bataille boughafer


وقد نهج مقاومي قبائل آيت عطا الامازيغ في مقاومتهم الشرسة للمستعمر الفرنسي أسلوب حرب العصابات، وذلك عن طريق الهجومات المباغتة واقتحام مواقع القوات الفرنسية ليلا، ومراكز الضباط وقطع طرق التموين على الجنود الفرنسيين، وما تخلل ذلك من مواجهات عنيفة بين الطرفين، سقط خلالها خيرة الرجال الامازيغ دفاعا عن الوطن.

لمحة عن معركة بوكافر الخالدة       

مع خضوع جل المناطق المغربية للاحتلال الفرنسي بعد توقيع معاهدة الحماية الى حدود سنة 1933، حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية فرض سيطرتها على سكان الجنوب الشرقي الامازيغ وخاصة منطقة صاغرو التي تتمركز بها قبائل آيت عطا الامازيغية غير الخاضعة لسلطة الاحتلال الفرنسي.


 غير أن رجال هذه القبائل الامازيغية تحت قيادة المقاوم الامازيغي البطل عسو أوبسلام شكلت سدا منيعا أما زحف القوى الاستعمارية الفرنسية،فاندلعت بين الطرفين معركة شرسة وكبدّ المقاومين الامازيغ  خلالها بقيادة القائد الامازيغي عسو أوبسلام  قوات الاحتلال الفرنسي خسائر فادحة جدا في الأرواح والعتاد.


وقد شرع الجيش الاستعماري الفرنسي يوم 13 فبراير 1933، في شن هجوم مباغث وضرب حصار خانق على المقاومين الامازيغ في منطقة ايت عطا، تحث قيادة البطل الامازيغي الكبير عسو أوبسلام، الذين لجأوا إلى قمة جبل بوكافر بمنطقة آيت عطا الواقة جنوب شرق المغرب، باعتبارها منطقة استراتيجية وعرة التضاريس، تساعدهم على الصمود والمواجهة.


ومع تزايد الهجمات النوعية للمقاومة الامازيغية، اضطر الجنرال "كاتورو" الذي كان مكلفا على منطقة صاغرو، إلى الاستعانة بقوات الجنرال "جيرو" التي كانت ترابط على الحدود المغربية الجزائرية، وبحسب ما تروي سلسلة "مذكرات من التراث المغربي" في مجلدها الخامس، فقد حضر القبطان الفرنسي "سبيلمان" هذه الحرب وقال عنها "لقد قاتل هؤلاء الأبطال قتالا شديدا، وبعزم وشجاعة، وكابدنا نحن خسارات جسيمة".


حاولت القوات الاستعارية الفرنسية تجريب أساليب الخداع  والترغيب من أجل وضع حد لهذه الحرب الشرسة، حيث جاء في برقية إلى الحامية الفرنسية في أرفود "و أخيرا عندما قامت طائراتنا سنة 1933 بقنبلة أحد قصور إيلمشان الذين كبدت قواتهم المقاومة خسائر فادحة لأتباعنا، وجهت مراسلة لهؤلاء (أيت عطا)، نشرح لهم أننا لم نكن نريد المبالغة في الصراع، وأننا كنا على استعداد للظهور بمظهر التسامح إذا أوقفوا الهجمات من جانبهم. وقد اكتفى عسو أوبسلام رئيس المشان بأن أرسل إلينا البلاغ الآتي: عليكم بالمجيء إلى هنا للبحث عن الجواب."

المقاوم الامازيغي عسو اوبسلام assou oubslam
المقاوم الامازيغي عسو اوبسلام

في 14 فبراير من سنة 1933 حشد المستعمر الفرنسي تحت قيادة الجنرال "كاترو" قواتهم من الجهة الغربية فيما حشد الجنرال "جيرو" قواته من الجهة الشرقية، لمحاصرة رجال القائد الامازيغي عسو اوبسلام .

وكان المقاومون الامازيغ قد لجأوا إلى بوكافر وهي قمة من قمم جبل صاغرو، هذه القمة التي تبعد عن مدينة ورزازات بحوالي 200كلم ، ويبلغ ارتفاعها حوالي 2275 متر، واختار العطاويون هذا المكان نظرا لأهميته الإستراتيجية العسكرية ومناعته وحصانته وصعوبته.

وروى القبطان سبيلمان عن معركة بوكافر بحسب ما جاء في سلسلة "مذكرات من التراث المغربي" قائلا: "ثم أرسل وابل من النار ليل نهار على بوكافر...وكنت أنظر إلى هذا الجبل المشؤوم نظرة الرجل المحزون. 

أنظر إليه وهو آخر ملجأ اعتصم به أولئك الجنود الكرام الذي فضلوا أن يسحقوا سحقا على أن يستسلموا. وكان معهم نساءهم وأطفالهم ودوابهم. فكيف السبيل إلى وقف هذه المذبحة؟ لقد كنا نفكر في وسائل وقفها. لكنهم كانوا مثل المجانين وقد قتلوا كثيرا من جواسيسنا، ومن ضمنهم أحد المرابطين. وكانوا يسبوننا ليلا من أعلى الجبل مثلهم في ذلك كمثل أبطال هميروس. وكانوا يقولون : يانصارى ياكلاب، أخرجو من وراء الصخور، وقابلونا إن كنتم رجالا. فلولا مدافعكم وطياراتكم لكنتم نساء".

نماذج من القنابل التي استعملها الاستعمار الفرنسي في قصف المقاومين الامازيغ عثر عليها بالمنطقة

واستمر المستعمر في محاولاته المتكررة للتغلب على المقاومين، حيث جاء في سلسلة "مذكرات من تاريخ المغرب" واستمر العدو يقنبل ليل نهار، وبدون انقطاع، وشدد الحصار، وكان يلقى وابلا من النار عند أدنى حركة للمقاومين الامازيغ. وقد انتشر التفوس في صفوفهم، نقلته إليهم جثث الحيوانات والأطفال، واشتد خوفهم من المرض. لكن النساء أردن المقاومة حتى النهاية".

وفي شهادة على ضراوة الحرب قال هنري بوردو، عضو الأكاديمية الفرنسية الذي زار المنطقة بعد مرور سنة على هذه الأحداث "لقد أرسلت عليهم القنابل ليل نهار من السماء والأرض لمدة 42 يوما! اثنان وأربعون يوما من الحرمان والأرق والعطش! إثنان وأربعون يوما قضوها مع الحيوانات، وقد جنت وأخذت تصرخ حتى الموت، وقضوها مع الجثث المتعفنة...فلنقس بذلك قدرتهم على تحمل ما قاسوه من المحن تحملا يسمو بهم إلى أعلى الدرجات".

بعد 42 يوما من المقاومة والحصار، قرر عسو أوبسلام النزول من قمة الجبل، لا مستسلما، لكن ليتفاوض مع المستعمر حفظا لارواح المدنيين المحاصرين من الاطفال والنساء والشيوخ، حقنا لدماء من تبقى حيا من رجال قبيلته المقاومين، فتم توقيع اتفاقية أنهت الحرب بين الطرفين.

نتائج المعركة بوغافر  بين المقاومين الامازيغ والاستعمار الفرنسي


تكبدت جيوش الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال هوري القائد العام للقوات الفرنسية٬ خسائر قاسية ومذلة، بالرغم من تفوقهم العسكري وأسلحتهم المتطورة إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام بسالة وشجاعة المقاومين الامازيغ بقيادة القائد الامازيغي عسو أوبسلام.

 حيث فقدت قوات الاستعمار الفرنسي خيرة ضباطها وجنودها في المعركة، على رأسهم القبطان "هنري ديليسبيناس دو بورنازيل"، وبلغ عدد قتلاها من الجنود حوالي 3500 جندي من بينهم حوالي 10 ضباط ومئات من مجندي المخزن.

بينما بلغت الحصيلة في صفوف المقاومين الامازيغ شهداء أيت عطا في هذه المعركة 1300 شهيد وفقدان 2500 رأس من الماشية نهنبها قوات الاستعمار الفرنسي لاطعام جنودها، وأكثر من 4000 مدني أغلبهم أطفال وشيوخ ونساء

وقد فقد القائد الامازيغي عسو أوبسلام أربعة أفراد من أسرته في معركة بوگافر: أخوه إبراهيم وزوجته من آيت إيسفول التي استشهدت نتيجة إصابتها بحروق وهي تحمل المؤونة والذخيرة للمقاومين، وابنته التي لم يتجاوز عمرها 13 سنة أثناء جلبها الماء من العين، وابنه من زوجته الثالثة.

وبحسب سلسلة "مذكرات من التاريخ المغربي" فقد  عسو أوبسلام بقبوله التفاوض واستسلامه حفظ أرواح المدنيين وحقن دماء ثلاثة آلاف ممن نجوا من أصحابه المقاومين، بسبب لجوؤ الاستعمار الفرنسي للطيران الحربي وقصف منازل السكان العزل والمقاومين بالقنابل، وقد روي أن الفرنسيين فقدوا 3500 عسكري في المعركة، في حين أنه لم يمت من مقاومي آيت عطا إلا 1300 رجل.