طبيعية اللغة الامازيغية وأسطورة التقعيد والمعيرة وماذا يقصد الإيركام بـالأمازيغية المعيار؟..بقلم الاستاذ مبارك بلقاسم

بقلم : الاستاذ مبارك بلقاسم

دأب العديد من نشطاء الأمازيغية والمدافعين عنها والمهتمين بها ومنهم بعض الموظفين بـ"المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" Asinag Ageldan en Tussna Tamaziɣt (والمعروف إعلاميا بـ"الإيركام") دائما على ترديد وتكرار مقولات عجيبة مخالفة للواقع ومفادها: "لقد وضع الإيركام قواعد ومعايير للغة الأمازيغية" أو "إن الإيركام منكب على معيرة وتقعيد اللغة الأمازيغية" أو "يجب تقعيد ومعيرة الأمازيغية". وتتسبب هذه المقولات في سوء فهم شديد لدى المغاربة – مواطنين وسياسيين.

والطريف هو أن عبارة "التقعيد والمعيرة" مستخدمة بحماس من طرف المغاربة المدافعين عن الأمازيغية والمعادين لها على حد سواء. فالطرف الأول يستخدم عبارة "التقعيد والمعيرة" لمدح الأمازيغية أو لمدح الإيركام، أما الطرف الثاني فهو يستخدم نفس العبارة للتقليل من شأن الأمازيغية والاستدلال على أنها لغة مصنعة ومزيفة ومفبركة في مختبرات خيالية.



1) اللغة الأمازيغية لغة طبيعية لها قواعد طبيعية كاملة لا تحتاج إلى "طورنوفيس" من أحد:

هذا المقال يهدف إلى شرح حقيقة شديدة الأهمية لكل المغاربة الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين وهي: الإيركام لم يصنع قواعد اللغة الأمازيغية، ولَمْ يُمَعْيِرْها، ولم يُقَعِّدْها، ولن يستطيع ولو حاول، لأن الأمازيغية لغة كاملة تملك أصلا كل القواعد النحوية والصرفية وكل المعايير النحوية والتعبيرية والتركيبية التي تطورت فيها بشكل طبيعي منذ مئات وآلاف السنين. ولا تحتاج اللغة الأمازيغية إلى أية معيرة ولا تقعيد على الإطلاق، فهي لغة طبيعية تملك كل القواعد بشكل طبيعي ولا تحتاج إطلاقا لأية قواعد جديدة أو مستوردة أو مصنعة. وإنما تحتاج فقط إلى التدوين والتدريس والترسيم، أي: الاستعمال.

بعبارة أخرى: الكلام الذي يردده الكثيرون حول "معيرة وتقعيد الأمازيغية من طرف الإيركام أو غيره" هو مجرد أوهام أو فهم خاطئ بنية حسنة أو كلام إنشائي. وحينما يردد بعض موظفي الإيركام عبارة "إن الإيركام منكب على معيرة وتقعيد اللغة الأمازيغية" لوسائل الإعلام فذلك كلام إشهاري موجه للاستهلاك الإعلامي يحاول به الإيركام تبرير وجوده رغم أنه غير محتاج إلى ذلك التبرير.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض المثقفين والباحثين في الأمازيغية استعملوا مصطلح "التقعيد" بمدلول محدود جدا هو: وصف وتدوين قواعد الأمازيغية الطبيعية (وليس تصنيع قواعد جديدة للأمازيغية). أما المعنى الحرفي لكلمة "تقعيد" المشتقة من "القاعدة" فهو المعنى الشائع لدى العامة والذي به يتوهمون أن الإيركام يقوم باختراع وتصنيع قواعد نحوية جديدة للغة الأمازيغية وكأنها لغة مصطنعة كلغة Esperanto، أو كأن الإيركام يقوم بتصنيع "لغة أمازيغية فصحى مصطنعة" وهذا طبعا كلام فارغ. وتكتمل هذه الصورة المشوهة والمشوشة لدى المغاربة (المشوشين أصلا) حين يحرص الإيركام ومساندوه على الترويج بحماس لعبارة "اللغة الأمازيغية المعيار" التي تؤدي مباشرة إلى فكرة "لغة أمازيغية فصحى مصطنعة مصنوعة في مختبر" وهي فكرة خرافية. الحقيقة هي أن "اللغة الأمازيغية المعيار" شيء وهمي لا وجود له. هناك فقط اللغة الأمازيغية.

2) من أين جاءات أسطورة "تقعيد ومعيرة الأمازيغية"؟

لكل خرافة أو أسطورة أساس صغير على أرض الواقع قد يكون كلمة أو مصطلحا فُهِمَ بشكل مغلوط، أو قصة بسيطة تم تضخيمها أو تشويهها أو النفخ فيها وتحميلها ما لا تحتمل.

فالفهم العامي الخاطئ لدى كثير من الهواة والنشطاء والطلبة والمهتمين باللغة الأمازيغية يتلخص في أن اللغة الأمازيغية لا تملك قواعد (!) أو أن قواعدها ناقصة تحتاج إلى تصليح (!) وأنه وجب إنشاء هيئة أو مؤسسة تضم "حكماء" و"خبراء" يصنعون القواعد للغة الأمازيغية الفصحى (على منوال اللغة العربية الفصحى). وتم تداول مصطلح "التقعيد" على نطاق واسع في آلاف مقالات نشطاء الأمازيغية المكتوبة بالعربية (وليس بالفرنسية). ومصطلح "التقعيد" هذا مصطلح عجيب ونادر لا يتكرر في الإعلام والصحافة إلا في أدبيات الحركة الأمازيغية المغربية المكتوبة بالعربية. فبدل استخدام العبارة البسيطة "كتابة الأمازيغية" أو "تدوين الأمازيغية" يحرص أنصار الأمازيغية على البحث عن أذنهم اليمنى بيدهم اليسرى فيروجون لعبارة "تقعيد ومعيرة الأمازيغية" البئيسة التي تتسبب في سوء فهم فظيع لدى المغاربة (مواطنين عاديين وسياسيين) حول الموضوع يخبطون فيه خبط عشواء.

بسبب التكرار والتقليد الإنشائي انتشر مصطلح "التقعيد" كالطاعون في مقالات وإنشائيات وتعليقات المدافعين عن الأمازيغية فأصبح لدى كثير منهم جزءا من المسلّمات. وأصبح الكثيرون من المدافعين عن الأمازيغية والناس العاديين والمغاربة غير الناطقين بالأمازيغية يعتقدون فعلا أن "الإيركام قد صنع أو أنه منكب على صناعة قواعد للغة الأمازيغية المسكينة التي لم تكن تملك قواعد من قبل" (!). لقد أصبح هذا التخريف "حقيقة" (مزيفة) متعارفا عليها بالمغرب. ولا عجب، فمن يزرع التخاريف يحصد الخرافات.

ولكن لماذا يظن بعض محبي الأمازيغية أن لغتهم لا تملك قواعد أو أنها تحتاج إلى "تقعيد ومعيرة"؟ يمكن تقديم سببين لهذا:

- السبب الأول: أنهم لاحظوا وجود لهجات أمازيغية بعيدة لا يفهمونها جزئيا أو كليا (لم يسمعوها من قبل ولم يكتشفوها إلا في عصر التلفزة)، فظنوا أن سبب ذلك هو غياب القواعد والمعايير في اللغة الأمازيغية (!) أو غياب "أمازيغية فصحى" على منوال "العربية الفصحى". بينما سبب عجزهم عن فهم اللهجات البعيدة هو أن آذانهم وأدمغتهم لم تتدرب على سماع اللهجات الأمازيغية البعيدة في الأغاني والأفلام والبرامج التلفزية. فآذانهم وأدمغتهم كانت مشغولة في القرن العشرين بالتدرب على سماع لهجات الشعوب الأجنبية في الأفلام والمسلسلات المصرية والأغاني اللبنانية والأفلام الأمريكية المدبلجة إلى الفرنسية وقناة الجزيرة القطرية وقنوات السلفية السعودية. فلو منحوا قليلا من الوقت لآذانهم وأدمغتهم كل يوم أو كل أسبوع لسماع اللهجات الأمازيغية الأخرى في التلفزة والراديو أو لمطالعة بعض الكتب الأمازيغية على الإنترنت لما رأينا مغربيا واحدا يشتكي من صعوبة الأمازيغية السوسية أو الأمازيغية الريفية أو الأمازيغية القبايلية ولكان سيعتبرها لغة واحدة يفهمها بسهولة وينتقل بسلاسة بين لهجاتها ومترادفاتها.

- السبب الثاني: أنهم وجدوا صعوبة في كتابة الأمازيغية التي ينطقون بها (رغم كونهم يعرفون كتابة لغات أخرى تعلموها في المدرسة) فظنوا أن سبب ذلك هو غياب القواعد والمعايير في اللغة الأمازيغية (!). بينما يرجع عجزهم إلى عدم دراستهم للأمازيغية في المدرسة وعدم بذلهم لأي مجهود في التعلم الذاتي عبر اقتناء القواميس الأمازيغية وكتب النحو الأمازيغي من المكتبات والإنترنت.

3) أين هي هذه القواعد والمعايير المزعومة التي صنعها الإيركام للغة الأمازيغية؟!

كل من يتحدث عن حكاية "التقعيد" ما عليه سوى أن يدلنا على قاعدة لغوية واحدة صنعها الإيركام للغة الأمازيغية لم تكن تملكها من قبل بشكل طبيعي منذ مئات أو آلاف السنين. وكل من يتحدث عن "المعيرة" ما عليه سوى أن يدلنا على معيار واحد للكتابة أو الاشتقاق المعجمي صنعه الإيركام للغة الأمازيغية ولم يكن موجودا فيها قبل. هذا تحد مفتوح لكل من يزعم بوجود "التقعيد والمعيرة" و"الأمازيغية المعيار".

الحقيقة هي أنه لا توجد أية "تقعيدة" جديدة ولا أي "معيار" لغوي جديد صنعه الإيركام ولا غيره للأمازيغية. فالأمازيغية لغة طبيعية كاملة مكتملة ككل اللغات الطبيعية الأخرى (الإنجليزية، الألمانية، اليابانية، الهولندية، الإيطالية...) لها قواعدها الطبيعية التي يتبعها الناس ومعاييرها الكتابية والإملائية المتعارف عليها والمستنبطة تلقائيا من قواعد اللغة نفسها وطريقة نطقها الشعبي الحي، وهي معايير قد تتغير بشكل طفيف أو كبير نطقيا أو كتابيا حسب اللهجات أو العادات الكتابية السائدة، على منوال كلمة color المستخدمة في أمريكا وكلمة colour المستخدمة في بريطانيا، أو على منوال كلمة organization المستخدمة في أمريكا وكلمة organisation المستخدمة في بريطانيا.

في عام 2008 أصدر المعهد الملكي (الإيركام) كتابا عنوانه La nouvelle grammaire de l’amazighe "النحو الجديد للأمازيغية". من يقرأ هذا العنوان الخادع لهذا الكتاب سيظن حتما أنه قد تمت صناعة نحو جديد للغة الأمازيغية. ولكن حينما نقرأ هذا الكتاب سنكتشف أنه لم تتم صناعة ميليغرام واحد من القواعد النحوية أو الصرفية أو الكتابية للأمازيغية. كل ما فيه من قواعد أمازيغية هي قواعد معروفة وموجودة في اللغة الأمازيغية بكل لهجاتها بشكل طبيعي منذ القديم وفي اللغة الأمازيغية اليومية الشعبية. لا يوجد "نحو جديد" ولا نحو "نحو حديث". إنه مجرد عنوان رنان. والمشكلة ليست في العنوان الرنان بل في سوء الفهم الذي يتسبب فيه لدى المغاربة الذين يعيشون في مناخ مسموم بنظريات المؤامرة وتخريفات "لغة المختبر" التي سممت عقول آلاف المغاربة.

4) ما الذي يقصده الإيركام حينما يتحدث عن "التقعيد والمعيرة"؟

رأينا أن "تقعيد الأمازيغية" مجرد خرافة أو كلام إنشائي لا أساس له على أرض الواقع، لأن الأمازيغية تملك قواعدها اللغوية الطبيعية أصلا.

أما "المعيرة" فيمكن فهمها في أحسن الأحوال بمعنى "تنميط الكتابة الإملائية". وحتى أنماط كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني وبحرف تيفيناغ وحتى بالحرف العربي (كما في "المعجم العربي الأمازيغي" العملاق للأستاذ محمد شفيق) هي أنماط للكتابة لم يخترعها الإيركام وإنما تطورت تلقائيا منذ زمن طويل لدى كتاب الأمازيغية والباحثين والمبدعين حسب قاعدة بسيطة هي "حرف واحد لصوت واحد" One letter for one sound. والغالبية الساحقة من الإبداعات والمؤلفات الأمازيغية كانت وما زالت تنتج بالحرف اللاتيني بالمغرب والجزائر على حد سواء مع تفوق عددي جزائري. ونمط كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني تطور لدى كتاب الأمازيغية وباحثيها بشكل تلقائي بدون أي معهد ولا مؤسسة رسمية، وتبلور تلقائيا في العديد من الندوات الثقافية والعلمية بالمغرب والجزائر وفرنسا.

الإيركام يقصد عادة بـ"معيرة الكتابة" شيئين رئيسيين:

- استخدام حرف "تيفيناغ – إيركام" (أو كما يكتبه الإيركام في أدبياته: Tifinaghe-Ircam). وهو حرف تيفيناغ الطوارقي الأصيل القديم مع بعض الحروف الجديدة المستحدثة التي أضافها الإيركام.

- طريقة التهجئة، أي طريقة أو نمط الكتابة الإملائية. وهذه أيضا ليست اختراعا للإيركام. حيث أن الإيركام يتبع منهجية التهجئة السوسية الجنوبية في طريقة الكتابة.

فبالنسبة لحرف Tifinaghe-Ircam كما يسميه الإيركام نفسه، يقول المعهد أنه قام بـ"معيرة" هذا الحرف، حيث أخذ الحروف الطوارقية الأمازيغية القديمة وأضاف إليها بعض الحروف الجديدة التي عوّض بها حروفا طوارقية قديمة اعتُبِرَتْ غير عملية لأنها حروف تتكون من نقط فقط. (راجع الكتاب الصادر عن الإيركام Initiation à la langue amazighe خصوصا الصفحات 30 إلى 35).

وفيما يلي نجد الحروف الطوارقية الأصيلة القديمة التي تم تعويضها من طرف الإيركام أو الجمعيات الثقافية الأمازيغية بحروف تيفيناغية جديدة مستحدثة أو معدَّلة جزئيا:

- حرف ⵂ (حرف "هـ" الطوارقي الأصيل، وهو أربع نقط عمودية) عوضه الإيركام بحرف آخر هو ⵀ الذي ينطقه الطوارق باء. النطق الطوارقي الأصيل للحرفين ⵀ وⴱ هو نفسه: ب / B. الإيركام احتفظ بالحرف الطوارقي الأصيل ⴱ (ب) كما هو بشكله ونطقه. أما الحرف الطوارقي الأصيل ⵀ (ب) فقد تمت "إعادة تأويله" reinterpreted أي "تغيير وظيفته" ليتقلد وظيفة الصوت "هـ" لدى الإيركام.

- حرف ⵗ (حرف "غ" الطوارقي الأصيل، وهو ثلاث نقط عمودية) عوضه الإيركام بحرف تيفيناغي جديد مخترع هو ⵖ استوحاه نشطاء أمازيغ من حرف Gamma اليوناني γ الذي ينطقه اليونانيون: "غ". ومن نفس الحرف اليوناني γ تم اشتقاق ɣ المعتمد في الأبجدية الأمازيغية اللاتينية للصوت "غ".

- حرف ⴾ (حرف "كـ" الطوارقي الأصيل، وهو ثلاث نقط مثلثية) عوضه الإيركام بحرف تيفيناغي جديد مخترع هو ⴽ استوحته منظمات أمازيغية من حرف K اللاتيني / اليوناني.

- حرف ⵈ (حرف "ق" الطوارقي الأصيل، وهو ثلاث نقط أفقية) عوضه الإيركام بحرف تيفيناغي جديد مخترع هو ⵇ (ق) اشتقته منظمات أمازيغية من الحرف التيفيناغي المستحدث ⴽ (ك).

- حرف ⵆ (حرف "خ" الطوارقي الأصيل، وهو أربع نقط مربعية) عوضه الإيركام بحرف تيفيناغي جديد مخترع هو ⵅ استوحاه نشطاء أمازيغ من الحرف اليوناني Χ الذي ينطقه اليونانيون: "خ".

- حرف ⵌ (حرف "الزاي الغليظة" الطوارقية الأصيل، وهو أربع خطوط تشكل مربعا في الوسط) عوضه الإيركام بحرف تيفيناغي جديد مخترع هو ⵥ عبر إضافة خط في في الوسط إلى الحرف الأمازيغي الطوارقي الأصيل ⵣ الذي هو: "ز".

- وأخذ الإيركام الحرف التيفيناغي الجديد ⵡ (وهو: w) الذي استحدثه نشطاء أمازيغ جزائريون حيث أخذوه من الأبجدية الليبيكوأمازيغية القديمة Libyco-Berber حيث كان نطقه هناك مختلفا وأعادوا استخدامه (أعادوا تأويله) ليعبر عن الصوت الأمازيغي W (و). وذلك لأن تيفيناغ الطوارق التقليدي الأصيل يستخدم غالبا نفس الحرف التيفيناغي ⵓ للتعبير عن الصوتين W وU بدون تمييز.

- وتبنى الإيركام حرفا مخترعا من طرف جمعيات أمازيغية هو الحرف ⵃ (ح) وهو صوت غير أصيل في الأمازيغية لا يعرفه الطوارق. واخترع الإيركام الحرف ⵄ (ع) وهو أيضا غير أصيل في الأمازيغية لا يعرفه الطوارق وصاغه الإيركام عبر شقلبة الحرف ⵖ ليصبح ⵄ حيث تأثر الإيركام بالتشابه الموجود في الحرف العربي بين "غ" و"ع". وتبنى الإيركام الحرف الجديد ⵚ (ص) الذي تم اشتقاقه من الحرف الأمازيغي الطوارقي الأصيل ⵙ (س). وتبنى الإيركام الحرف الجديد ⵕ (راء غليظة) الذي تم اشتقاقه من الحرف الأمازيغي الطوارقي الأصيل ⵔ (ر). والحرفان ⵚ (ص) وⵕ (راء غليظة) غير موجودين في تيفيناغ الطوارق لكون الصوتين "ص" و"الراء الغليظة" نادرين في الأمازيغية الشمالية والطوارقية على حد سواء. وتبنى الإيركام أيضا الحرف ⴻ (e، أي: الصائت القصير) وهو حرف لم يكن موجودا في تيفيناغ الطوارق (رغم وجود الصوت e في أمازيغية الطوارق بكثافة). واشتقت جمعيات أمازيغية الحرف ⴻ من الحرف الطوارقي ⵓ (وهو: u) عبر إضافة خط في الوسط.

أما بقية حروف Tifinaghe-Ircam وهي: ⵉⴰⵢⵓⵣⵛⴼⵔⵜⵍⵟⵙⴹⴳⵀⴱⴷⵊⵏⵎ فهي حروف أمازيغية طوارقية أصيلة وقديمة استخدمها الطوارق طيلة قرون. ثم أخذ الإيركام هذه الحروف الطوارقية القديمة وأضاف إليها الحروف الجديدة المستحدثة والمعدَّلة وهي: ⵖⵄⵅⵥⵃⴽⵡⵇⵕⵚ ثم سمى ذلك كله في أدبياته الفرنسية بـ Tifinaghe-Ircam. وقرر الإيركام أن عدد حروف Tifinaghe-Ircam التي ستدرس بها الأمازيغية في المغرب هو 33 أوردها هكذا: ⴰⴱⴳⴳⵯⴷⴹⴻⴼⴽⴽⵯⵀⵃⵄⵅⵇⵉⵊⵍⵎⵏⵓⵔⵕⵖⵙⵚⵛⵜⵟⵡⵢⵣⵥ

ومقابلها اللاتيني الأمازيغي (حرفا حرفا، وبنفس الترتيب) هو: ABGGʷDḌEFKKʷHḤƐXQIJLMNURṚƔSṢCTṬWYZẒ

ولم يدرج الإيركام الحروف Č (تش) وǦ (دج) وŘ (راء خفيفة قريبة من اللام) في مطبوعاته رغم أنها منطوقة في اللهجات الأمازيغية الزناتية في شمال المغرب وشمال الجزائر وتونس وشمال ليبيا بالإضافة إلى أمازيغية القبايل وأمازيغية الأطلس المتوسط التوأمتين.

وهناك حروف طوارقية أصيلة قديمة أخرى من بينها: ⴸⵘⵋⴶⵤⴺⵐ. كما أن هناك حروف تيفيناغ أخرى قديمة أو مستحدثة أو معدَّلة مستخدمة في شمال الجزائر مثل: ⵝⵞⴵ⊓ⵁⴸⴲⴴⴿ. وتوجد حروف ليبيكوأمازيغية Libyco-Berber كبيرة العدد في نقوش عبر كل تامازغا تعود إلى حوالي 2500 عام مضت منها مثلا: =، ≡، ⴵ، ⵡ، lll، ll، V، ≣، ⵝ، ⊓، ⵙ وغيرها، ولكن نطق أغلبها كان مختلفا آنذاك عن النطق الطوارقي الحالي. إلا أنه يعتقد أن الحروف الطوارقية المتكونة من نقط هي اختصار للخطوط الطويلة القديمة. فمثلا الحرف الطوارقي ⵓ (و / U) هو اختصار للحرف الليبيكوأمازيغي =. والحرف الطوارقي ⵈ (ق) هو اختصار للحرف الليبيكوأمازيغي lll. والحرف الطوارقي ⵗ (غ) هو اختصار للحرف الليبيكوأمازيغي ≡. والحرف الطوارقي ⵂ (هـ) هو اختصار للحرف الليبيكوأمازيغي ≣.

ويمكن للقارئ أن يراجع "القاموس الفرنسي الطوارقي" المنشور عام 1908 للباحث A. De Motylinski عبر هذا الرابط: www.freemorocco.com/tamkardit-library/Motylinski-Touareg.pdf

ويمكن أيضا الاطلاع على قاموس آخر هو "القاموس الفرنسي الطوارقي" المنشور عام 1893 للباحث Émile Masqueray عبر هذا الرابط: www.freemorocco.com/tamkardit-library/Masqueray-Touareg.pdf

أما النقطة الثانية في مفهوم "المعيرة" الإيركامي فهي تتعلق بطريقة التهجئة، أي طريقة أو نمط الكتابة الإملائية. وهذه أيضا ليست اختراعا للإيركام.

في مجال طريقة التهجئة لا يوجد خطأ مطلق أو صواب مطلق وإنما توجد درجات من الدقة وعادات كتابية متعارف عليها. فمثلا يفضل الأمريكيون كتابة الكلمات color وorganization وplow بينما يفضل البريطانيون كتابة تلك الكلمات هكذا: colour وorganisation وplough. لا يوجد خطأ مطلق أو صواب مطلق بين التقليدين أو المعيارين الأمريكي والبريطاني. ربما يكون أحدهما أكثر عملية أو منطقية، ولكنهما مجرد عادتين إملائيتين أو مجرد معيارين إملائيين اعتاد عليهما مستخدموهما بشكل تلقائي. فالمعلوم أنه لا توجد مؤسسات رسمية تقوم بـ"معيرة" طريقة الكتابة الإنجليزية في أمريكا وبريطانيا وفرضها في المؤسسات وإنما الأمر متروك تماما للمبدعين والكتاب والمدارس والجامعات.

إلا أنه حينما يتعلق الأمر بالكتابة الأبجدية والكتابة الألفبائية فإن الكتابة الألفبائية أحسن وأدق. في العربية يكتب الناس مثلا الكلمة "كتب" بطريقة أبجدية وكأنهم يكتبون ktb. فالكلمة العربية المقصودة قد تكون كَتَبَ kataba أو كُتُبٌ kotobon أو كُتِبَ kotéba ...إلخ. إذن ktb هي طريقة أبجدية للكتابة معدومة الصوائت وعديمة الدقة تتسبب في مشاكل دائمة للقارئ والتلميذ. أمّا kataba وkotobon وkotéba فهي طريقة ألفبائية للكتابة تتميز بالدقة التامة والوضوح الكامل وسهولة النطق.

الإيركام يكتب الأمازيغية بطريقة تميل إلى نمط الكتابة الأبجدية أكثر من نمط الكتابة الألفبائية. فمثلا يكتب الإيركام العبارة ⵏⵜⵜⴰ ⴰⴷ ⵉⴽⵛⵎ أي: ntta ad ikcm [نتّا اد يكشم] ومعناها: هو سيَدخل. بينما في الأطلس المتوسط بالمغرب ومنطقة القبايل الجزائرية يستعمل الناس نفس هذه العبارة ولكن يكتبها الأطلسيون والقبايليون هكذا: Netta ad yekcem.

ويكتب الإيركام العبارة ⵙⵙⵏⵖ ⵜⵜ أي: ssnɣ tt [سّنغ تّ] ومعناها: أعرفها، وهذه طريقة كتابة أبجدية تنعدم فيها الصوائت. أما الطريقة الألفبائية للكتابة فهي: ssneɣ tet.

ومثال آخر من الكتابة الأبجدية الصامتة التي يعتمدها الإيركام نجده في العبارة: ⴼⴼⵖⵏ ⵎⴷⴷⵏ أي: ffɣn mddn [فّغن مدّن] ومعناها: خرج الناس. بينما الطريقة الألفبائية الصائـتة لكتابة نفس تلك العبارة الأمازيغية هي: ffɣen medden.

الشماليون (الأطلس المتوسط والريف والجزائر وتونس وشمال ليبيا) وكذلك الطوارق كلهم ينطقون الصائت القصير (e) بشكل قوي ومسموع، ولذلك يميلون إلى كتابة medden وليس mddn. ويكتبون imaziɣen وليس imaziɣn. ويكتبون yekcem وليس ikcm. ويكتبون yudef وليس yudf. ويكتبون netta yessen وليس ntta issn. ويكتبون netta wer yessin وليس ntta ur issin. ويكتبون Meṛṛakec وليس Mṛṛakc. ويكتبون kecmen وليس kcmn.

والإيركام يكتب: ⵉⵎⴰⵣⵉⵖⵏ أي: imaziɣn. بينما الطريقة الألفبائية الكاملة للكتابة هي: imaziɣen. لاحظوا معي أنه مثلا في الكلمة imaziɣn لدينا 3 مقاطع أو syllables وهي: i-ma-ziɣn. ولكن في الكلمة imaziɣen لدينا 4 مقاطع وهي: i-ma-zi-ɣen.

وفي الكلمة الأمازيغية asmmskl (ومعناها: التغيير) يصعب النطق على القارئ أو التلميذ لأن معظم الصوائت غير مكتوبة، ومقاطع النطق غير واضحة فلا يرى القارئ أو التلميذ إلا مقطعا واحدا هو الكلمة بأكملها. ولكن حين نكتب نفس تلك الكلمة بالطريقة الألفبائية الصائـتة هكذا: asemmeskel فحينئذ سيسهل على القارئ أو التلميذ النطق الدقيق، لأنه سيعرف بسهولة أن الكلمة تحتوي على 4 مقاطع وهي: a-sem-mes-kel.

وهكذا فإن فالكتابة الألفبائية / الصائـتة هي كتابة دقيقة تسهل القراءة على القارئ لأنها تبين له كل الصوائت وبالتالي يستطيع أن يعرف بوضوح مقاطع النطق وهذا يسهل القراءة.

إذن فطريقة الإيركام الأبجدية / الصامتة هي جزء من ما يسميه بـ"المعيرة" حيث يتبناها في الكتب المدرسية وكل المنشورات التي يصدرها. وهذه الطريقة الأبجدية الصامتة للكتابة منتشرة لدى كتاب ومبدعي منطقة سوس والجنوب قبل تأسيس الإيركام، وليست من اختراع الإيركام.

وسبب ميل السوسيين والجنوبيين إلى كتابة الأمازيغية بهذه الطريقة الأبجدية الصامتة هو سبب بسيط يتمثل في ضعف نطق الصائت القصير (e) في لهجات أمازيغية سوس والأطلس الصغير، وهكذا ينعكس ذلك في طريقة كتابتهم للكلمات الأمازيغية حيث يتخلون بشكل غريزي أو تلقائي عن كتابة حرف (e) ويكتبون الأمازيغية بطريقة أشبه بالكتابة الأبجدية العربية (كما رأيناها في مثال الكلمة "كتب" ktb العربية). كما أن أمازيغية سوس والجنوب تتميز بخاصية أخرى وهي تحييد أو تسطيح الصوتين w وy وتحويلهما إلى u وi عندما يسبقان الصائت القصير e، فينطق ويكتب السوسيون مثلا asdus بدل asedwes (ومعناها: التقوية)، وينطقون ويكتبون illi بدل yelli (ومعناها: ابنتي). ويتبنى الإيركام هذه المنهجية السوسية الجنوبية في التهجئة والكتابة الإملائية ويعتبرها "معيارا للكتابة" أو "كتابة معيارية" تدخل في إطار ما يسميه "الأمازيغية المعيار".

أما بقية لهجات اللغة الأمازيغية في شمال المغرب وبقية العالم الأمازيغي (ومن ضمنه الطوارق) فلديها عادات نطقية تتميز بقوة نطق الصائت القصير (e) وقوة نطق نصف الصائتين w وy وبنهج كتابي ألفبائي الطابع وليس أبجدي الطابع، عكس نهج الكتاب الناطقين بأمازيغية سوس والجنوب. وخلاصة القول هي أن الأمازيغية تتسع لكلا الطريقتين الأبجدية والألفبائية (رغم أن الألفبائية أفضل) مثلما تتسع الإنجليزية لطريقة الكتابة الأمريكية (color، center، plow...) وطريقة الكتابة البريطانية (colour، centre، plough...). ولكن لا يبدو أن الإيركام يستوعب أهمية هذه التعددية الأمازيغية حين يفرض الأسلوب السوسي الجنوبي في الكتابة كأسلوب وحيد (وهو أسلوب لم يخترعه الإيركام أصلا) فيسميه بـ"الأمازيغية المعيار".

5) ما الذي يقصده الإيركام بمصطلح "اللغة الأمازيغية المعيار"؟

إذن يقصد الإيركام بمصطلح "الأمازيغية المعيار" ما يلي:

- استعمال حرف Tifinaghe-Ircam الذي رأيناه أعلاه.

- تبني المنهجية الأبجدية السوسية الجنوبية في الكتابة الإملائية التي شرحناها أعلاه.

- استخدام مفردات الأمازيغية المشتركة بين اللهجات أو ذات الاستخدام الشائع في لهجة معينة أو اثنتين، وهي مفردات ينتقيها الإيركام من لهجات اللغة الأمازيغية (في سوس والأطلس والريف) ومن القواميس التي أنجزها باحثون مغاربة وجزائريون وأوروبيون طيلة القرن العشرين قبل تأسيس الإيركام.

- العمل بقواعد اللغة الأمازيغية الطبيعية في النحو والصرف والاشتقاق.

من الناحية العملية لا يوجد شيء اسمه "لغة أمازيغية معيار" على أرض الواقع، وإنما توجد فقط لغة أمازيغية. ولم يتم اختراع لغة أمازيغية جديدة. كل ما في الأمر هو أن الإيركام ينتقي في منشوراته الكلمات الأمازيغية من مختلف اللهجات ويكتبها بحرف Tifinaghe-Ircam بطريقة التهجئة السوسية الجنوبية الأبجدية التي درج على استعمالها الكتاب السوسيون قبل تأسيس الإيركام بوقت طويل.

6) ما الذي يفعله الإيركام في ميدان الأمازيغية؟ وهل هو معهد علمي أم دار نشر؟

خلافا لما يظنه المغاربة فالإيركام ليس بمعهد علمي أكاديمي، بل هو أقرب إلى "معهد ثقافي" يمكن أن يقارن بمعهد Cervantes الثقافي الإسباني الذي يروج اللغة والثقافة الإسبانية ومنشوراتها. فأهم الأبحاث الأمازيغية اللسانية الرفيعة ما زالت تصدر لحد الآن من باحثين أوروبيين أو أمازيغيين يشتغلون في الجامعات الأوروبية في هذه البلدان: فرنسا، هولندا، إيطاليا، إسبانيا، بلجيكا، الدانمارك، ألمانيا (راجع مثلا على الإنترنت سلسلة Berber Studies من القواميس والأبحاث الأمازيغية الرفيعة التي يشرف عليها البروفيسور الهولندي Harry Stroomer وتصدر من ألمانيا عن دار النشر Rüdiger Köppe Verlag في مدينة Köln الألمانية ويشارك فيها باحثون أوروبيون وأمازيغيون متخصصون في اللسانيات الأمازيغية). وتأتي الأبحاث المنجزة حول اللسانيات الأمازيغية من طرف الطلبة واللسانيين في الجامعات المغربية والجزائرية في مرتبة ثانية خلف الأوروبيين من حيث الكم والنوعية.

أما الإيركام، رغم أنه يشتغل فيه العديد من الدكاترة واللسانيين، فهو يتصرف كمعهد ثقافي أو دار للنشر تمول نشر مؤلفات معظمها ذو طابع ثقافي فولكلوري ومعظمها مكتوب بالعربية أو الفرنسية وبعض الإبداعات الأمازيغية الأدبية بحرف تيفيناغ-إيركام. وينشر الإيركام أحيانا بعض الأبحاث اللسانية التي ينجزها باحثون بشكل فردي مثل كتاب Quelques aspects de la morphologie et de la phonologie d’un parler amazighe de Figuig للباحث اللساني المغربي Fouad Saa. وينظم الإيركام بعض الندوات الثقافية أو العلمية من حين لآخر. كما أنه يعد الكتب المدرسية بحرف تيفيناغ وبعض القواميس الخفيفة التي يأخذ مادتها من قواميس أكاديمية أمازيغية أنجزها باحثون أوروبيون ومغاربة وجزائريون طيلة القرن العشرين.

الإيركام لا يقوم بأية أبحاث لسانية ميدانية بل يعتمد على الأبحاث الميدانية التي أنجزها وينجزها قدامى الباحثين الأوروبيين والمغاربة والجزائريين منذ القرن 19 وإلى الآن. وأنشطة الإيركام عموما تعكس اسمه الذي هو "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" وليس "المعهد الملكي للسانيات الأمازيغية".

7) خلاصات جوهرية مهمة موجهة للقارئ الذي لا يعرف قراءة وكتابة اللغة الأمازيغية:

- اللغة الأمازيغية لغة طبيعية لها قواعد لغوية طبيعية تطورت بشكل طبيعي على أرض شمال أفريقيا، وبعض تلك القواعد عمره مئات السنين والآخر عمره آلاف السنين.

- اللغة الأمازيغية لا تحتاج إلى أي "تقعيد" ولا "معيرة" ولا "طورنوفيس" ولا "مسامير" ولا "ترقيع". فهي لغة طبيعية عادية وكاملة بشكل طبيعي لها قواعدها الطبيعية المنطقية ككل اللغات الأخرى الطبيعية. وكل ما تحتاج إليه الأمازيغية هو الاستعمال والكتابة والتدريس والترسيم في الإدارات.

- المعهد الملكي (الإيركام) لم يصنع أية قواعد للغة الأمازيغية على الإطلاق.

- المقصود بـ"الأمازيغية المعيار" من طرف الإيركام هو كتابة الأمازيغية باستعمال حرف Tifinaghe-Ircam بطريقة إملائية سوسية جنوبية وانتقاء الكلمات الشائعة من مختلف لهجات اللغة الأمازيغية لإدراجها في الكتب والمنشورات. لم يخترع الإيركام لغة أمازيغية جديدة ولا قواعد جديدة.

- المعهد الملكي (الإيركام) يعتمد على القواميس والدراسات اللسانية الأمازيغية التي تم نشرها طيلة القرن العشرين من طرف باحثين مغاربة وجزائريين وأوروبيين قبل تأسيس الإيركام نفسه عام 2001.

- اللغة الأمازيغية هي مثل شجرة زيتون مكتملة النمو ولا تحتاج إلا إلى قليل من السقي لتنتج ثمار الزيتون باستمرار. فإذا حرمناها من السقي جفت وقلت ثمارها. أما الشجرة نفسها فلا تحتاج إلى أية "عملية جراحية" في جذورها أو جذعها. فهي مكتملة النمو أصلا وناضجة تماما.

tussna@gmail.com