المفكر الأمازيغي أحمد عصيد يحلل أسباب وعوامل تخلف المجتمعات الإسلامية سياسيا

خلال محاضرة ألقاها ضمن فعاليات اليوم الثاني للمهرجان الدولي للثقافة الأمازيغية في نسخته الثانية عشر ، صرح أحمد عصيد، رئيس المرصد الأمازيغي للحريات وحقوق الإنسان، إن من أسباب ضعف احترام الآخر في المجتمعات الإسلامية عدم الحسم في المرتكزات المشتركة باعتبارها أساس البناء الديمقراطي، واعتماد منطق الأغلبية مقابل الأقلية، مضيفا أن ذلك يجعل التيارات الإسلامية تختزل الديمقراطية في صناديق الاقتراع، و"تنسى أن قيم الحريات هي التدبير المعقلن للمؤسسات وسمو القانون وفصل السلط"، معتبرا أن فكرة الأغلبية العددية التي لا تراعي المساواة في إطار الإنسانية هي فكرة مدمرة للعيش المشترك.


حديث عصيد جاء خلال محاضرة ألقاها ضمن فعاليات اليوم الثاني للمهرجان الدولي للثقافة الأمازيغية في نسخته الثانية عشر، المقام بمدينة فاس، اختار لها عنوان "فن العيش المشترك، المحفزات والعوائق"؛ حيث أكد أن فهم احترام الأخر يمكّن من فهم العيش المشترك، وأورد أنه قبل القرن 17، كان الآخر يعتبر شرا لأنه مختلف، إما للونه أو لأنه عبد وليس حرا أو غير منتم للطبقة الاجتماعية نفسها، وزاد موضحا: "كان التعامل معه على أساس هذا الاختلاف، وكان تقديره حسب اختلافه، والآن مع فكرة المواطنة أضحى العكس؛ حيث أصبح الآخر، مهْما كان اختلافه، إغناء للذات، واحترامه واجب لأنه يمثل الناقص عندنا".

واعتبر المتحدث أن فكرة المواطنة نزعت الفوارق بين الناس، وأصبح الكل متساو، وأصبحت الاختلافات لا توظف لخلق التفاوتات، ولا تمس الجوهر، مشددا على أن ترسيخ فكرة قبول الآخر كما هو هي جوهر فكرة التسامح، وقال: "عندما أصبحنا متساوين في إطار الدولة الحديثة أصبحنا نقبل الآخر كما هو ولا نطلب أن يكون مماثلا لنا، ولكن نقبله كما هو في اختلافه".

رئيس المرصد الأمازيغي أبرز أن المجتمعات الإسلامية تعتبر أن كل القيم التي يحملها غير المسلم سلبية وأنه منحرف، مرجعا ذلك للنظام التربوي، وأوضح: "الطريقة التي يدرس بها المسلمون العقيدة تقول إن الإسلام وحده الدين الصحيح، وإن باقي الديانات خاطئة ومحرفة. من هنا نمحو فكرة احترام الآخر من المنظومة التربوية للمجتمعات الإسلامية؛ حيث نربي الناس على أن الآخر منحرف وضال"، واعتبر أن التراتبية الدينية تمحو احترام الآخر.

"في المجتمعات الإسلامية الحقيقة تعتبر محددة سلفا، وليست موضوع بحث أو اكتشاف من طرف الإنسان، لأنه في المجتمعات التي تعتبر الحقيقة بناء وصيرورة، كل من يكتشف شيئا جديدا يعتبر ذا قيمة، وفي المجتمعات الإسلامية ينظر إليه كمشبوه ومهدد للحقيقة المحددة سلفا، وعليك الدخول في صراع مع المجتمع الذي يعتبر أن الحقيقة مختزلة في الدين"، يقول الباحث الأمازيغي.

وبالنسبة لعصيد، فالمجتمعات والسلطة ترعى توجه تنميط المجتمع على أساس العقيدة؛ "حيث يتم اختزال الثقافة في الدين، وذلك لا يؤدي إلى احترام الآخر والعيش المشترك، بل يؤدي إلى العنف ونبذ الآخر المختلف"، مشددا على أن إيديولوجية التنميط تقتل التنوع الموجود في المجتمع، وتحاول فرض الفكر الأوحد والقيمة الواحدة والدين الوحيد والثقافة الوحيدة واللغة الوحيدة والمذهب الوحيد والفهم الوحيد للأشياء، و"لكي يصبح الإنسان كمجموعة منسجمة مع القطيع، وهذا مناف لفكرة احترام الآخر المرتبطة بفكرة العيش المشترك".

المتحدث نبه إلى أنه في المجتمعات الإسلامية ليس هناك اعتراف بالفرد الذي عليه أن يذوب في الجماعة، معتبرا أنه إذا أبدع وتميز ينظر إليه على أنه مشبوه، لأنه لا يكرس ما هو سائد، و"هذا ما يفسر في المغرب بروز مظاهر العنف في الشارع ضد مظاهر الاختلاف؛ حيث يتدخل مواطنون بالعنف لجعل الآخر يكون مثلهم، وهذا يبين ضعف السلطة والدولة وضعف الوعي المواطن لدى المغاربة، ويبين أن هناك تيارا يسعى إلى تنميط المجتمع".

وعن تدريس الدين، قال عصيد: "فكرة الجماعة الدينية هي فقهية، وتعود إلى أزيد من ألف عام، ولم تعد منسجمة مع تطور الدولة الحديثة الآن، وآليات الاشتغال مع الدولة القائمة في المغرب والجزائر والعراق وسوريا وغير ذلك، لأننا تخطينا الخطوة الأساسية، التي هي الانتقال من الدولة الدينية إلى الدولة الحديثة، ومن غير الممكن الاشتغال بمفاهيم الدولة السابقة"، واسترسل: "نقول إن لدينا برلمانا وحكومة ومؤسسات وقوانين وضعية، وعندما ندرس الدين ندرسه بطريقة دولة الخلاقة؛ حيث أصبح لدينا تمزق داخل المدرسة العمومية، وذلك ما ينتج مشاكل وجيلا غير فاهم لما يقع حوله من إشكاليات، ويؤدي إلى التعامل بعنف مع الواقع ومع الآخر".

وختم أحمد عصيد محاضرته الافتتاحية لليوم الثاني من المهرجان الدولي للثقافة الأمازيغية في نسخته الثانية عشر، بالمطالبة بتدريس التفاعل والتلاقح والتبادل بين الحضارات، وتدريس مادة تاريخ الأديان، وذلك للمقارنة بين الأديان ووضعها في سياقاتها التاريخية، وإبراز العناصر المشتركة بين مختلف الحضارات.