نص الحوار القوي والجريء الذي تلقى بسببه المناضل الأمازيغي أحمد الدغرني تهديدات بالقتل

نعيد نشر في ما يلي  نص الحوار الجريء والقوي الذي أجراه مكتب الجزيرة بالرباط قبل اغلاقه مع الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني والذي تلقى بسببه بعد ذلك تهديدات بالقتل من طرف متطرفين قوميين عروبيين وإسلاميين ، بسبب موقفه الجرئ والمخالف لأهوائهم من الصراع العربي اليهودي في الشرق الاوسط . الذي عبر عنه في ذات الحوار، كما شن ضده حينها خطباء متزمتين على منابر المساجد في أربع مدن مغربية هي : سلا والقنيطرة وطنجة والناظور، هجوما وتحريضا عليه .

احمد الدغرني



 وكان  مكتب الجزيرة بالرباط قد أجرى هذا الحوار سنة 2005 قبل إغلاقه ومغادرته المغرب نهائيا بأمر من السلطات الغربية  ، وقد تم نشر نص الحوار بعد ذلك  على موقع  الجزيرة نت ، وكان موضوع الحوار  حول القضية الأمازيغية  والموقف الأمازيغي من الصراع العربي اليهودي .. ، وفي ما يلي نص هذا الحوار الذي جرّ على الدغرني سعار الاسلاميين والقومين العرب وتلقى بسببه تهديدات بالقتل لمجرد أنه عبّر هن آرائه بكل حرية بعيدا عن إيديولوجيتهم .

نص الحوار الذي اجراه مكتب الجزيرة سنة 2005 مع المناضل الامازبغي احمد الدغرني



سؤال مكتب الجزيرة : أين هي القضايا القومية في الطرح الامازيغي؟ 

أحمد الدغرني : مصطلح "القضايا القومية" كما تقصدونه خاص بالعرب وغير مستعمل في الأمازيغية، ومن حق العرب أن تكون لهم قضايا، مثل جميع الشعوب، على أساس أن لا يكون المقصود بالقضايا القومية هو استهداف الأمازيغية، وتعويمنا في قضايا تتنافى مع وجودنا كشعب له أيضا قضايا خاصة به، ونفس الشيء يمكن قوله عن الأكراد، وعن المجموعات السكانية غير العربية في السودان مثلا، وحتى إيران أو تركيا، فنحن الأمازيغ شعب إفريقي، ولنا في قارتنا الإفريقية وجود قديم، وحضارة عريقة أنتجها أجدادنا، ولنا قضيتنا الخاصة وهي التي تهمنا.

سؤال مكتب الجزيرة :  إذن ما ذا تعني القومية العربية بالنسبة لكم؟ 

أحمد الدغرني : هذا السؤال يهم بالدرجة الأولى الذين يسمون أنفسهم ب"القوميين العرب" وهم أحزاب وتنظيمات سياسية، و إيديولوجية معروفة في الشرق الأوسط، وهؤلاء يستهدفون بالدرجة الأولى فرض سيادتهم ولغتهم وعرقهم على جميع الشعوب الأخرى كالأمازيغ، والأكراد والنوبيين (السودان) والمصريين والأرمن، والآشوريين والعبرانيين (الإسرائيليين) وحتى الفارسيين، وبالنسبة إلينا نحن الأمازيغ تعني القومية العربية في بلادنا محونا من الوجود، وضم بلادنا إلى حكم الأنظمة الديكتاتورية القومية في الشرق الأوسط، ومد نفوذ المشيخات والسلطنات العربية إلى وطننا، ونقل مشاكل العرب في الشرق الأوسط إلى صفوفنا في شمال إفريقيا والسودان، وتعني زيادة الغرق في المشاكل، ونحن فرحون لذوبان القومية العربية في ليبيا ومصر، ونحرص كثيرا على نجاح تجربة موريطانيا التي تنتظر فيها أن تكون منفتحة على الأمازيغية.

سؤال مكتب الجزيرة : كيف يتم تعاطيكم مع القضية الفلسطينية؟ 

أحمد الدغرني: فلسطين بعيدة عن بلادنا آلاف الكيلومترات، وليس من بين المغاربة من زار هذه الأرض إلا أفرادا لا يعرفهم أحد، ولا يعرف الأمازيغ عنها إلا ما تنقله وسائل الإعلام، وبالأحرى لا يعرف عنها شيئا سوى الذين درسوا لغة العرب، وهم قلة، وقد استعملت الانظمة والدولة المخزنية وسائل الإعلام المختلفة، كما استعملت الضغوط والديماغوجية على شعوبنا في شمال إفريقيا منذ سنوات 1948 من أجل تعبئتها وإقحامها في الصراع بين العرب وإسرائيل، لا لشيء سوى لأن العرب في الشرق الأوسط يتوفرون حتى الآن على نماذج من أنظمة الحكم الديكتاتوري يستفيد منا كل ديكتاتوري عندنا ليحقق أهدافه، وأتمنى أن يستطيع الفلسطينيون أن يكونوا نموذجا للحكم يخالف أنظمة العرب المجاورين لهم، وتعاطينا مع القضية يرتكز على نوعية الأمازيغيين، والتمسك بمواقفنا كشعب أمازيغي له قضاياه الخاصة به، وله أعداء وأصدقاء مثل جميع شعوب الأرض، ونحن مع السلم والتفاوض والحوار والتعايش بين الدول وشعوب الشرق الأوسط.


سؤال مكتب الجزيرة :  إذن ما قضيتكم الأولى أنتم كأمازيغ؟ 

أحمد الدغرني: قضيتنا الأولى هي الحفاظ على وجودنا ضد عوامل الفناء التي تهددنا، فنحن أمة موزعة على حوالي 9 أقطار في افريقيا تمتد من المحيط الأطلسي إلى نهر النيجر وسط إفريقا ونهر النيل بمصر، والبحر الأبيض المتوسط في الشمال، ووجود جغرافيتنا الطبيعية والإنسانية لا يوازيه وجودنا كقوة إقليمية في إفريقيا والعالم أجمع، ولذلك بدأنا نؤسس عودتنا إلى التاريخ الحديث بإنشاء منظماتنا الدولية، وتأسيس الحزب الديموقراطي الأمازيغي بالمغرب هذه السنة، وتأسيس آلاف الجمعيات لتأطير مجتمعنا، وقيادته ثقافيا وسياسيا لنعود كما كنا في التاريخ القديم مشهورين معروفين نأخذ من الآخرين ونعطيهم، لكننا في العالم نترجم إلى كل اللغات اسمنا وهو : الإنسان الحر الذي تعنيه الترجمة الحرفية لكلمة الأمازيغي التي يعتز بها كل من يعرفنا بحريتنا وشجاعتنا، نحن أفارقة عانينا من العبودية، ولذلك سمي أجدادنا القدامى بالأحرار وعلينا أن نترجم للناس كافة معنى وجودنا .

سؤال مكتب الجزيرة : هل دعوتكم بالتطبيع مع إسرائيل ضرب من البحث عن التميز والاستقلال عن العرب، أم هو جزء من الإطار العام للأمازيغيين ؟

أحمد الدغرني: مصطلح "التطبيع" غير مستعمل عندنا كأمازيغ، وهو معروف في الدول التي لها حدود مع إسرائيل، وتريد فتح الحدود معها، وتنقل الأموال والأشخاص بينها وبين إسرائيل، وإيقاف الحروب ورسم الحدود، وأيضا الاعتراف المتبادل بين الدول في الشرق الأوسط، ونحن خاصة في المغرب وقع عندنا الاعتراف بإسرائيل منذ زمن بعيد من طرف الشعب والدولة، بل وللدولة المغربية واسرائيل علاقات ديبلوماسية رسمية، أما فتح الحدود فهو يهم جيران إسرائيل من لبنان والأردن وسوريا، ومصر، ولايهمنا نحن الأمازيغ في شيء.

فنحن لم نستطع حتى "تطبيع" علاقاتنا فيما بيننا وأعني الجزائر مثلا، فما بالك بغيرنا؟ نحن نعاني من أزمة التطبيع مع جيراننا والإطار العام للأمازيغيين هو أن نبدأ بالتطبيع في الوطن الأمازيغي، وإسرائيل تلعب دورا مهما في السياسات الدولية ونريد بالتساوي صداقة اليهود والعرب معا. 

أما "الإستقلال عن العرب" فنحن مستقلون عنهم، وهم مستقلون عنا، فليس هناك دولة من عرب الشرق الأوسط تقبل الأمازيغيين في بلادها وتعتبرهم من الأجانب ومن العجم. ونحن وحدنا المنفتحون إلى حد الإفراط في الانفتاح على العرب، والقوميون العرب فهموا خطأ أننا نقبل الذوبان وتسليم بلادنا وحضارتنا لغيرنا .

سؤال مكتب الجزيرة :  إذن كيف تتصور مستقبل العلاقة بين الأمازيغ والإسرائليين ؟ 

أحمد الدغرني: تصوري ينبني على الوقائع وعلى التاريخ والجغرافيا، فنحن كأمازيغ كان أجدادنا في العصور القديمة يدينون باليهودية، وأيضا كانوا مسيحيين، ونحن الأجيال الحاضرة لا نتنكر لأجدادنا الذين كانوا يهودا أو نصارى، كما لا نتنكر أيضا لأجدادنا المسلمين، ثم أن ما يقارب المليون نسمة من سكان إسرائيل منحدرين من المغرب ومن وطننا الأمازيغي عامة، ومستقبل العلاقات مرتبط بمستقبل الديموقراطية، إن سقوط الديكتاتوريات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيؤدي مباشرة إلى حل الخلافات المزمنة، وتعميم مبادىء الأخوة والصداقة بين الشعوب والدول ، وبداخل اسرائيل يوجد الإنسان الأمازيغي المهاجر من عندنا، ولن نتخلى عنه ولا نريد أن يتخلى عنا

سؤال مكتب الجزيرة : هل تعتقد أن جرأتك في المجاهرة بالتطبيع الشامل مع إسرائيل نزعة فردية أن هي إطار يوحد القاعدة الكبرى من الأمازيغ ؟

أحمد الدغرني: نحن الأمازيغ مثل غيرنا نتوفر على أناس محافظين وخاصة من الجيل القديم الذي يشبه أيضا المحافظين الإسرائليين، أو المحافظين العرب، وهؤلاء متشابهون، ولو اختلفت أصولهم وديانتهم، كما نتوفر على أجيال غير محافظة ومتنورة، والذي هو مؤكد أن مجموع أطر التنظيمات والجمعيات الأمازيغية والشباب الأمازيغي لا يكنون أية عداوة لليهود أو لإسرائيل.

 ويعرف الجميع أن العلاقات بين اليهود والأمازيغ كانت دائما أخوية ومتينة،  ويسودها التعاون، والجديد الذي حدث الآن هو نشر وسائل الإعلام المشرقية وأنظمتها وأحزابها للعداوة المريرة والحروب القاتلة وهذا هو الذي نرفضه، بل ونكرهه،  كما أننا نريد أن لا تنقطع علاقات اليهود  الذين هاجروا إلى إسرائيل أو غيرها ببلاد "تامازغا"،  كما أننا نريد للفلسطينيين أن يعيشوا في السلم والأمان،  ونحن لا نكره اليهود ولا نكره العرب ولا غير هؤلاء،  ونريد لهم ما نريد لأنفسنا من الخير والسعادة، ونحن لا نستعمل مصطلح "التطبيع" كما هو معروف لدى العرب في الشرق الأوسط، بل نستعمل كلمة "السلم" وهي التي نتجرأ عليها. 

سؤال مكتب الجزيرة : هل تعتقد بأن الدولة المغربية تنظر إلى الأمازيغية باعتبارها مصدر قلاقل ؟ 

أحمد الدغرني:  سياسة الدولة المغربية هي كغيرها وقتية، فعندما كان القومين العرب يطيحون بالأنظمة الملكية في العراق واليمن، ومصر، وغيرها كانت "العروبة " مصدر قلاقل، وعندما انحاز القوميون العرب للنزعة الإنفصالية في الصحراء أصبحت الدولة المغربية محرجة في التعامل مع العرب الذين يخططون ويمولون ما يسمونه "الجمهورية العربية" أما الأمازيغية فهي مجموعة حقوق ومطالب لا يمكن وصفها "مصدر القلاقل" في دولة تحترم نفسها وتعتني بشعبها، ولا يخفى أن ارتباط الدولة المخزنية المغربية بالشرق الأوسط سيجعلها إذا لم تبادر إلى إصلاح نفسها تعيش القلاقل الناتجة عن سياسة المتطرفين القوميين والأصوليين الإسلاميين في المغرب، فمصدر القلاقل الحقيقي هو الطموحات السياسية الرامية إلى إنشاء دولة الخلافة أو الدولة القومية العربية في بلادنا ، أما نحن الأمازيغ فالمغرب هو بلادنا الأصلية ولا يمكن أبدا أن نكون مصدر قلاقل، لكن الدولة هي التي تستورد القلاقل من الشرق الأوسط.

مكتب الجزيرة- الرباط 26/11/2005