وثيقة تاريخية تكشف قوة جمهورية الريف الامازيغية بثباتها على المبدأ وتحديها للقوى الاستعمارية في بداية القرن العشرين

هذه الوثقية هي رسالة بعث بها  وزير خارجية جمهورية الريف الامازيغية التي اسسها الزعيم الامازيغي عبد الكريم الخطابي في بداية القرن العشرين سنة 1921 وكانت اول جمهورية تؤسس في افريقيا ، والرسالة موجهة  الى القوى الاستعمارية  ويرفض من خلالها الزعيم الامازيغي  التفاوض إلا على أساس اعتراف اسبانيا و أزلامها باستقلال الريف  . 

وكان جيش جمهورية الريف الامازيغية حينها يتكون  حسب الوثيقة  من 200 ألف مقاتل ، وكان عدد سكان الريف حينها يعادل مليون نسمة مستعدين للدفاع عن سيادة ارضهم حتى اخر نفس  حسب الوثيقة نفسها الموجهة لقادة الاستعمار  بعد هزيمة الجيش الاسباني الشنيعة في معركة انوال التي قادها البطل الامازيغي عبد الكريم الخطابي ، الامر الذي جعل إسبانيا تلجأ الى التظاهر بالرغبة في الصلح و الهدنة ريثما تعد العدة  لكسر هذا التحدي الامازيغي القوي ، وذلك بالاستعانة بالجيش الفرنسي و اللجوء لاستعمال السلاح الكيماري وقصف المقاومين الامازيغ بالغازات السامة لأجل إخضاع الريف .

مؤسس جمهورية الريف القائد الامازيغي محمد بن عبد الكريم الخطابي

تكشف هذه الوثيقة التاريخية  نسبة الوعي السياسي العالي عند أحد قادة ثورة الريف الامازيغية ضد الاستعمار الاسباني ،وهو محمد أزرقان، الذي كان يعتبر بمثابة وزير خارجية جمهورية الريف الامازيغية التي اسسها القائد الامازيغي محمد بن عبد الكريم الخطابي قبل ان تتكالب عليها الجيوش الاستعمارية الاسبانية والفرنسية بتواطئ من المخزن المغربي .

ففي هذه الرسالة الموجهة إلى رئيس الوفد الإسباني المفاوض، يخاطب الثائر الامازيغي قادة الاستعمار الإسباني بلغة ملؤها التحدي و الثبات على المبدأ وتخلوا من العبارات الدبلوماسية المنمقة المكرورة والمبدلة.

 وإذ نيعيد نشر هذه الوثيقة فإنما للتأريخ والاستفادة من عبر الماضي، فهي تعلمنا أن من يمثل مصالح شعب أو أمة لا يجب أن يلجأ إلى لغة التوسل أو الاستجداء وإنما طرح أفكاره بوضوح مستحضرا التاريخ ودروسه ومؤمنا بأن إرادة الشعوب هي التي ستنتصر في النهاية. وفيما يلي نص الوثيقة التي سبق أن نشرت لأول مرة في بحث أكاديمي في إسبانيا عام 2000 من إعداد الباحث محمد طاحطاح تحت عنوان: "ما بين البراغماتية والإصلاح والحداثة: الدور السياسي والتاريخي للخطابي في الريف عام 1926".

مضمون نص الوثيقة التاريخية : 

من السيد محمد أزرقان الى السينيور سابدرا، تحية  وبعد،

استلمنا كتابكم المؤرخ 30 نوفمبر على الساعة الثانية نهارا من سابع ديسمبر الحالي، والذي يشبه الإخطار النهائي لنا، الأمر الذي استغربناه إلى النهاية من كل الفصول ومن جميع الوجوه.

وذلك انه رغما عن أن القاعدة تقتضي بوجوب متابعة المخابرة بواسطة الوفد الذي عيناه والذي يمثل أفكار الشعب الريفي الذي هو عبارة عن أكثر من مليون نفس ويربو عدد المقاتلين من مأتي ألف، نراكم تواصلون المذاكرة على طريقة غير رسمية. أما اذا كان ذلك لأجل انكم ترغبون في الصلح كما هو مضمن إحدى مواد كتابكم فاننا  نجد في أنفسنا من الرغبة اكثر من ذلك، ولكنه لا يمكن لنا الخروج عن القاعدة المعلومة في مثل هاته الشؤون المهمة.

نعم، بهاته المناسبة أرى من واجبي وشواعري الانسانية وبصفة كوني مكلفا من النظارة الخارجية لدولة الريف أن اصرح لكم بما ياتي:

ان الحكومة الريفية التي اسست على قواعد عصرية وقوانين مدنية تعتبر نفسها مستقلة سياسيا واقتصاديا أملة أن تعيش حرة كما عاشت قرونا وكما تعيش جميع الشعوب وترى لنفسها أحقية امتلاك ترابها قبل كل دولة وتعد القسم الاستعماري الاسباني متعديا غاصبا لا حق له فيما يزعمه من نشر الحماية على حكومة الريف. والحالة أن الريف لم يعترف بها اصلا ولن يعترف بها ويرفضها رفضا ويلتزم أن يحكم نفسه بنفسه ويسعى في نوال  حقوقه الشرعية التي لا نزاع فيها ويدافع عن استقلاله التام بكل الوسائل الطبيعية، ويحتج أمام الأمة الاسبانية وعقلائهم الذين يعتقد فيهم أنهم يعترفون بأحقية مطالبنا المعقولة الشرعية قبل ان يجازف الحزب الاستعماري الاصباني بدماء ابناء شعبه في سبيل مطامع شخصية وادعاء حقوق موهومة، طالما ان الحزب الاستعماري يخدم مصالح الغير.

ولو أنه يحاسب نفسه وضميره لوجد نفسه غالطا وانه عما قريب يرى أنه قد تسبب لأمته في الخسارة بسبب تطاوله الى الاستعمار، والاستعمار لا يوافق مصلحته. فالواجب عليه أن يتلافى الأمر قبل أن يعسر استدراكه. وكما تحتج الحكومة الريفية على كل عمل اعتدائي يصدر من الحزب الاستعماري الاصباني امام العالم المتمدن وامام الانسانية وتتبرا من كل مسؤولية وعهدة فيما عساه أن يقع من اتلاف الأرواح والأموال.

هذا فاننا نتعجب ايضا كيف انكم تجاهلتم انه من صالح اسبانيا نفسها مسالمة الريف والاعتراف بحقوقه واستقلاله والمحافظة على علائق الجوار وتمتين عرى الاتحاد مع الشعب الريفي عوضا عن التعدي عليه واهانته وهضم حقوقه الانسانية والشرعية طبقا لناموس العمران ووفقا لمعاهدة فرساي الواقعة بعد الحرب العالمية، تلك الحرب التي تعلم الانسان منها نتائج التعدي والغضب والعجرفة، وعلم العالم انه لا سبيل الى اهانة الانسان وأنه من الواجب العقلي الطبيعي ترك كل أمة وشانها لتدبر امرها بنفسها، وأن الجبروت والقوة يصيران كلا شيئ أمام الحق. تلك المعاهدة التي خطتها رؤساء دول عظيمة خاضت غمار الحرب وذاقت كاس الوبال بنفسها فلم يسعها في آخر الأمر إلا الاعتراف بالحق ومنح الشعوب حقوقها ولو مهما كانت صغيرة. ورغما أن الساسة يقولون أن المعاهدات حبر على ورق وأن الحق للسيف، فالحق انه لا بد من التوفيق لانجاز هذا المشروع و الا فلا يزال العالم في الارتباك والحيرة والاضطراب الذي يهدد السلم العام.

اذ كل شعب يناضل عن حقه ويطالب حريته. اذا لا عار على اسبانيا اذا عاشت في وئام تام مع الريف بعد الاعتراف بحكومته واستقلاله ومبادلة المصالح المشتركة، بل يكون لها حينئذ الافتخار والشرف ويكون في تاريخها نقطة بيضاء. ومن جهتنا فان حكومة الريف مستعدة لأن تتلقى بكل مسرة تغيير خطة الحزب الاستعماري العدائية وترتجي بكل رغبة زوال سوء التفاهم الذي كان منشأه الخروج عن نقطة الاعتدال والتعصب المذموم وعدم التبصر والتأني والنظر في عواقب الأمور في وقت كانت فيه الانفعالات النفسانية الخبيثة متحكمة. كما أن الحكومة الريفية تاسف كل الأسف اذا تمادى الحزب الاستعماري على التعدي والتعاظم والتحكم. تصوروا أنكم أنتم المهاجمون في دياركم من أجنبي يريد السيطرة عليكم وامتلاك رقابكم، وهل تكونون من الخاضعين لذلك الفاتح ولو ادعى من الحقوق  ما ادعى وزعم ما زعم. لا أخال الا أنكم تدافعون حتى بنسائكم وكل قواتكم ولا ترضون بذل الاستعباد. والتاريخ يشهد لكم أنفسكم بذلك.

تصوروا كذلك الريف، وكل رجاله يعتقدون اعتقادا متينا انهم يموتون في سبيل الحق ويدافعون عن شرف ما فوقه من شرف ولا يرجعون عن هذا الاعتقاد حتى يرجع الحزب الاستعماري الاصباني عن سوء نية أو حتى يموتوا عن آخرهم.

لا يسعني الا أن أصرح بصفة نهائية أن الريف لا يعدل ولا يغير خطته التي سار عليها الوفد وهو أنه لا يفتح المخابرة في الصلح إلا على أساس اعتراف اسبانيا باستقلال الريف.

أما التجريب العسكري الذي أجريناه في شواطئ النكور وقدمنا لكم الإعلام به فليس ذلك صادرا عن سوء قصد ولكنه كان وفاقيا وأعلمناكم به قياما بواجب الهدنة التي كانت بين الطرفين.