دراسة مقارنة بين الشعبين العريقين (الكُرد والامازيغ)



بقلم :    جوان فداء الدين حمو- ماجستير في العلاقات الدولية

- أولاً: الكُرد والامازيغ:

الكُرد من الشعوب الاصيلة التي تسكن غرب آسيا في كل من سوريا، والعراق، وإيران، وتركيا بشكلٍ أساسي، وفي دول الاتحاد السوفيتي سابقاً بشكلٍ ثانوي. ولهم صلة قرابة مع باقي الشعوب الآسيوية القديمة الأخرى كالكلدانيين، والجورجيين، والأرمن، والفارسيين. والكُرد وجدوا في وطنهم كُردستان منذ الآلاف السنيين، وقد جاء اسمه في الوصايا القديمة، أو العهد القديم (التوراة) تحت تسمية الميديون. وكلمة كُرد تعني البطل أو الشجاع أو القوي حسب أغلب الدراسات التي تابعتها.
والأمازيغ هم مجموعة من الشعوب الاصيلة التي تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة في مصر شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً. ويمتد وجوده في عمق التاريخ منذ ما يزيد عن 9000 سنة. وكلمة (أمازيغ) تعني الرجل الحر أو النبيل في اللغة الأمازيغية القديمة.

- ثانياً: اللغة الكُرديّة والامازيغية:

تعتبر اللغة الكُرديّة من فصيلة اللغات الهندو- أوربية، وكانت تكتب قبل الإسلام من الشمال إلى اليمين بأبجدية مستقلة، لها شبه بالأبجدية الأشورية والارمنية. وقد تركت هذه الأبجدية بعد الإسلام اكتفاء بالأبجدية العربية التي هي لغة القرآن.

وللغة الكُرديّة أصولها، وقواعدها، ودلالاتها، واشتقاقاتها الخاصة. وهي ليست فرعاً من أية لغة أخرى، فعلى الرغم من القرابة اللغوية بينها وبين الفارسية، إلا أنَّها لغة خاصة حافظت على استقلاليتها. كما دلت جميع الدراسات الصوتية والانتوغرافية والدراسات المقارنة التي قام بها العالمان الألمانيان (روديجر وبوت) عام 1840 حيث أثبتا نتيجة دراسة متواصلة في المقارنة اللغوية بين الكلمات الكُرديّة واللغات الإيرانية على أنَّ الكُرديّة بقواعدها، ومفرداتها، وأصولها، وأصواتها لغة خاصة مستقلة رغم انتمائها إلى اللغات الإيرانية. وأيَّد بعد ذلك المستشرق الروسي (بيتر ليرخ) في أبحاثه القيمة التي نشرها بعنوان (دراسات عن الكُرد) عام 1858 في سان بطرسبرغ- لينينغراد.

وبذلك فأنَّ اللغة الكُرديّة لغة آرية نقية معروفة لها مميزاتها الخاصة وتطوراتها القديمة. وهي تتصف بشخصية متميزة تماماً عن باقي اللغات. ولها لهجات كثيرة نتيجة تطورها عبر الزمن نذكر منها (الكُرمانجية الوسطى، والكورانية، والكُرمانجية الجنوبية، والكُرمانجية الشمالية).

ويكتب الامازيغية بخط يسمى بخط التيفيناغ وهي كتابة غير منقولة عنها بل تنتمي إلى نماذج قديمة جداً. وخط التيفيناغ خط أبجدي قديم وقد قام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمعيرته. وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي في المغرب لتعليم الأمازيغية في بعض المدارس الابتدائية. وهي تتفرع إلى تنوعات تختلف قليلا من منطقة إلى أخرى. ولكن مما يجدر ذكره هو أنَّ التنوعات (اللهجات) الامازيغية متحدة فيما بينها بشكل كامل فيما يخص قواعد اللغة والصرف والنحو والاشتقاق. وتنحصر الاختلافات في المعجم (حيث تستعمل مترادفات لها نفس المعنى) وبعض الاختلافات الطفيفة في التنغيم والنطق. ومن المعروف أنَّ عدم تعليم اللغة الامازيغية في المدرسة والجامعة هو الذي يعقد المسالة. ويقدر عدد الناطقين باللغة الامازيغية في العالم حسب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 66 مليون نسمة.

أما لهجاتها فكثيرة نذكر منها: القبايلية، والسوسية، والشاوية، والطوارقية، والأطلسية، والنفوسية، القلعاوية، والمزابية، والشناوية، والشلحية، والزناتية، والزوارية، والغدامسية، والسندية، والسيوية، والزناكية.

- ثالثاً: أوجه المقارنة بين الكُرد والامازيغ:

1- يُعترف باللغة الكُردية كلغة رسمية في العراق فقط، بينما لا يُعترف بها في كل من سوريا وتركيا والعراق وإيران. وتجدر الإشارة إلى أنَّه في سوريا اقتصر الاعتراف الأخير بتميز القومية الكُرديّة، على حديث صحفي رئاسي غير مضمن في الدستور.
وبالنسبة إلى الامازيغية ففي الجزائر أقرت اللغة الأمازيغية في الدستور كلغة وطنية، وهناك نشرات أخبار ومطبوعات بالأمازيغية. وفي المغرب أنشأ الملك معهداً للثقافة الأمازيغية واعترف بها كجزء من الهوية المغربية وسمح بتدريس اللغة في المرحلة الابتدائية. إلا أنَّ الحركة الأمازيغية اعتبرت الإعلان الملكي غير كاف إذا لم يثبت في الدستور، وطالبت باعتبار الأعراف الأمازيغية مصدراً من مصادر التشريع، ودسترة اللامركزية الإدارية والمساواة بين لغتين رسميتين.

2- بلاد الامازيغ أوسع من بلاد الكُرد، فبلاد الكُرد تمتد من إيران إلى سوريا، وتمتد حدود الامازيغ من مصر حتى المحيط الأطلسي. 

3- يتواجد الكُرد في أوربا (كجالية كُرديّة لا يقل تعدادها عن المليونان والنصف). وتتميز هذه الجالية بارتباطها القوي بوطنها (كُردستان) وبتمسكها بهويتها الكُرديّة وتتركز بكثافة في ألمانيا، وهولندا، وفرنسا والسويد، والنرويج، والدنمارك، وبريطانيا، وبلغاريا، وفنلندا، والنمسا، واسبانيا، والبرتغال ...الخ.
بالإضافة إلى ذلك يتواجد الامازيغ في أوروبا الغربية (كجالية أمازيغية مغاربية كبيرة لا يقل تعدادها عن المليونين نسمة). وتتميز هذه الجالية بارتباطها القوي بوطنها ثامازغا (شمال أفريقيا) وبتمسكها بهويتها الأمازيغية وتتركز بكثافة في هولندا، فرنسا، بلجيكا، إسبانيا وألمانيا.

4- الدين الرسمي للكُرد والامازيغ هو الإسلام.

5- مثلما أنجب الشعب الكُردي قائداً شهيراً هو صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس، أنجب الشعب الأمازيغي قائداً شهيراً هو طارق بن زياد فاتح الاندلس.

6- الكُرد والامازيغ لهم صفاتهم كثيرة مشتركة كالشجاعة، والعناد، وسرعة الغضب، والصلابة والإخلاص والاستقامة، وعشق للحرية، وناس جبليون مثل بعضهم.

7- يتهم الكُرد والامازيغ بالتطرف والتعصب وأنَّ قضاياهم من صنيعة الاستعمار (الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالنسبة للأكراد) و (فرنسا بالنسبة للأمازيغ). أي الاتهام بأنَّ طروحاتهم من وحي الغرب ومن أجل تهديد الوحدة العربية.

8- يشترك الكُرد والامازيغ في بعض الأخطاء التاريخية المتعلقة بتقرير مصيرهم، وهو عدم تشكيل كيان ذاتي خاص بكل واحد منهم رغم وجود العديد من المقومات من قوة بشرية، وموقع استراتيجي، وثروات، ومؤهلات، ووجود تاريخي، وامتداد جغرافي، وخصائص حضارية. 

9- طريقة وآليات اضطهاد الكُرد الأمازيغ في الدول المتقاسمة لكل منهم تشبه بعضها، ومن جملة هذه الآليات منع أسماء الأعلام والأماكن وسياسة التعريب وطمس المعالم الحضارية والهوياتية ومحو خصوصيات هذين الشعبين وقمعهما والإجهاز وهضم حقوقهما. 

10- كلا الشعبين (الكُردي والأمازيغي) لم يرضخوا للأمر الواقع، واقع التجزئة والتشتت، وممارسة سياسات التعريب والتتريك والتفريس بل قاوموا وبكل الوسائل التي اتيحت لهم لاسترداد حقوقهم المهضومة والمحروقة من قبل الانظمة الراعية لهما وخاضوا ولايزالون نضالاً مستميتاً من أجل احقاق الحق وحمل الانظمة الراعية لهم للاعتراف بحقوقهم القومية والسياسية واللغوية والثقافية بالتي تختلف كلياً عن ثقافة وتراث الشعوب الخاضعة لهم كالعرب والفرس والترك.

11- لم تقم الهيئات الدولية وبشكل مباشر في التدخل للحفاظ على حقوق هذين الشعبين وتوفير الحياة الحرة الكريمة لهما.

12- العلم الكُردي معروف اليوم بألوانه الأربعة: الأحمر والأبيض والأخضر وفي الوسط رسم شمس صفراء. ولهذه الألوان معانٍ ودلالات، فالأبيض رمز للسلام، والأحمر تعبير عن الدم والثورة، واللون الأخضر يقصد به بركة أرض كردستان وخصوبة “ميزيوبوتاميا”. والشمس رمز للديانة الزرادشتية التي كان الكُرد يعتنقونها، حيثُ أنَّ للشمس 21 شعاعاً ويعتبر الرقم 21 من الأرقام المقدسة في الديانة الزرادشتية التي يعتبرها البعض الديانة القومية القديمة للكُرد كما أن الرقم 21 يرمز إلى 21 اذار أي يوم عيد نوروز الذي يعتبر العيد القومي للكُرد.
والعلم الامازيغي يتكون من ثلاثة خطوط أفقية وبنفس العرض بثلاثة ألوان: الأزرق والأخضر والأصفر. وفي الوسط رمز الزاي أو أزا بالأمازيغية باللون الأحمر.
وكل لون يرمز إلى عنصر من بلاد تمازغا بلاد الأمازيغ أي شمال أفريقيا: فالأزرق يمثل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والأخضر يمثل الطبيعة والجبال الخضراء الشمالية، والأصفر يمثل رمال الصحراء الكبرى. أما رمز الزاي بالأبجدية الأمازيغية تيفيناغ فيمثل الإنسان الحر أي الأمازيغي وهو باللون الأحمر لون الحياة وأيضاً لون المقاومة.