أفارقة جنوب الصحراء يتحدثون الأمازيغية أفضل من بعض المغاربة!

بقلم: رشيد الحاحي. 

توقفت أنتظر دوري وأجواء كوب 22 تعم المكان، نظر إلي الشاب بائع البيض والبطاطس، الأكلة الأرخص بساحة جامع الفنا بمراكش، وبعد تبادل النظرات أضاف "منزكين أستاذ لاباس، قل يان إميك أتسفليدت"، ما معناه، أهلا أستاذ، انتظرا قليلا لتسمع.


بدأ في إعداد الرغيف (الخبزة) التي يحمل بيده، ساأل شخصا جالسا بملامح إفريقية جنوب الصحراء، يتأكد ذلك أكثر من خلال الهواتف النقالة التي وضعها بجانبه أي أنه أحد البائعين الأفارقة المتجولين الذين صاروا جزء من المشهد اليومي بجل المدن المغربية، "ما راد أك كيس كخ؟ أجابه بلكنته "سنات تكلاي". أي سأله ماذا سأحضر لك، أجابه : خبز مع البيض .

بعد قليل طلب منه البائع " إما أزليم"، أجابه "ياه أزليم"، أي هل أضيف البصل فأجابه نعم أضف البصل. وبعد أن انتبه إلى تتبعي لحوارهما نظر إلي وأضاف بلكنته الإفريقية "نكي أمزيغ أشلحي ن تحناوت"، أي أنني أمازيغي من منطقة تحناوت. تفاجأت بأهمية ما يجري بين الشخصين، فصديقنا لم يكتف فقط بإبلاغي أنه يتحدث الأمازيغية بل مارس حقه في تعريف نفسه أمازيغيا من منطقة تحناوت التي يقطن بها، كما أكد.

وبعد أن تابعت تبادلهما أطراف الحديث لثلاثة أو أربع دقائق بكل تلقائية، نظر إلي الشاب البائع وسألني "أشلحي أيكا أ وستاذ؟"، أي هو أمازيغي، أجبته بتمعن "ياه أر أر إسوال تمازيغت"، أي نعم يتحدث الأمازيغية. تسلمت رغيفي المحشو بالبيض والبطاطيس والزيت، الذي يذكرني بأيام الدراسة والتكوين الجامعي بمراكش، تبادلنا الابتسامات وانصرفت والعديد من الأسئلة تراودني.

أولى هذه الأسئلة: لماذا لا يتحدث بعض المغاربة الأمازيغية، ولا يقبلون عليها، رغم أنها لغتهم الأكثر تداولا على المستوى الاجتماعي والحميمي والتواصلي بالعديد من الجهات والمناطق؟ وثاني هذه الأسئلة: لماذا تعبر مواقف وردود البعض عن تجليات عقد سوسيو نفسية اتجاه الأمازيغية، وكيف صار بعض الأمازيغ أنفسهم ضحايا الخيارات الإيديولوجية للدولة والأحزاب والجماعات القومية والدينية، أو التمثلات الخاطئة وسوء الوعي، فيفقدون لغتهم أو يتنكرون لها فيما غيرهم يتعلمها؟

أما ثالثها فهو: كيف سيكون مستقبل الوضع اللغوي والثقافي والهوياتي بالمغرب مستقبلا، فإضافة إلى أن العديد من المهاجرين جنوب الصحراء القاطنين بمدن عديدة منها مراكش وأكادير وإنزكان وتزنيت ومكناس وخنيفرة والناظور...، يقبلون على التحدث بالأمازيغية، وآخرين بمدن أخرى يتحدثون الدارجة المغربية، فلغات الدول والمجتمعات والقبائل من جنوب الصحراء بدورها بدأت تروج في فضائنا السمعي في عدة مدن، بل أن أحياء بالكامل صارت تحتضن هذا المزيج الذي يبقى مستقبله مثيرا للأسئلة .

هذه أسئلة في حاجة إلى تناولها بما يكفي من الدراسة والتحليل العلمي والتناول الحقوقي من طرف الباحثين والدارسين والحقوقيين مستقبلا، أما السياسيين فنعلم أنهم دائما غافلون في انتظار لعبة الانتخابات وتوزيع كعكة المناصب.

في هذه اللحظة، تذكرت عديد السنوات التي قضيتها أستاذا مكونا بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، وبعض النقاشات التي كانت تجمعني بطلبتي الأساتذة فيما يرتبط بمجزوءات التكوين ومواصفات مهنة التعليم وشروط تحقيق أهدافه ونتائجه . وبما أن مناطق الجهة والإقليم هي مناطق أمازيغية، كنت أنبههم إلى أن التدريس والتواجد بالمناطق الأمازيغية لسنتين أو أكثر هو فرصة لا تعوض للمدرسين الراغبين في تعلم الأمازيغية، وعلى أهمية التواصل مع السكان واحترام ثقافة الساكنة خصوصا في الأوساط القروية للنجاح في مهمة التربية والتعليم وتحقيق المدرسة والمدرس لأدوارهما والمهام المنوطة بهما.

كما يذكرني مئات الأساتذة الخريجين من خلال زملائهم الذين أتلقيهم بين الفينة والأخرى بمضامين هذا النقاش الذي خبروه وهو أن المدرس الذي يقضي سنوات بوسط أمازيغي، يعلم أطفالا لغتهم الأم هي الأمازيغية، ويعاشر ويعيش بين ساكنة ثقافتها هي الأمازيغية، ولم يتعلم لغتهم ولم يتأثر بثقافتهم، فهو يعاني من عائق أو بلوكاج نفسي أو إيديولوجي مرتبط بمتمثلات مسبقة أو عجز ما.

إن الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة مند دستور 2011، في الحاجة اليوم بعد كل التأخير والاستهتار الحاصل، إلى تمكين قانوني ومؤسساتي منصف وفعال، يثمن التراكم والاختيارات المحسومة، ويتجاوز سياسة الارتجال والتردد والاستيعاب الجديدة، ويجعل المغاربة يتصالحون ويقدمون ويتواصلون على المسوتين الشفاهي والكتابي بلغتهم وثقافتهم الوطنية الامازيغية التي بدأ ينافسهم فيها مهاجروا جنوب الصحراء الذين يبدو أنهم يدركون جيدا معنى وقيمة أن يتحدث المهاجر أو المقيم اللغة الوطنية لبلد إقامته وهجرته.