القانون التنظيمي لتفعيل الأمازيغية .. ولادة قيصرية لامرأة تحتضر .. بقلم محـمد بوزكَو

ما معنى أن تتلكأ الحكومة حتى آخر أيام حياتها السياسية لتلد بعملية قيصرية أحد أهم القوانين في عمرها الحكومي؟ وما معنى أن تنفرد بفعل ذلك لوحدها والحال أن القانون ذاك كان مطلبا جوهريا لكل الأمازيغ، حركة وجمعيات وفعاليات وحقوقيين؟

ثمة أجوبة صريحة وبسيطة لا تحتاج في فهمها لعناء كثير...

لابد من استحضار طبيعة الحزب الذي أجريت عليه هذه العملية القيصرية فولد هذا القانون الغامض في عموميته ليضعه في بيت زجاجي طيلة 15 سنة حتى يكتمل نموه وكيفية تعامله وماهية مواقفه من القضية الأمازيغية ككل... وهنا يستوجب بنا التسطير على أن حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي حتى وان ادعى المدنية تقية، مرجعيته إسلامية، تنشد الرجوع للسلف الصالح من أجل بناء الدولة المنشودة من طرف مختلف أطياف الجماعات الإسلامية وفق درجاتها على سلم الرجعية والتطرف، ألا وهي الدولة الإسلامية العربية.



الحزب الذي لا يزال يؤمن بكون اللغة العربية هي لغة الجنة، وحزب الذي ينتظر على أحر من الجمر عودة جيش محمـد لتدمير اليهود، والحزب الذي يدعو أحد مؤيدوه إلى وجوب القتل بلا رحمة وفصل الرؤوس عن الأجساد وتعليقها في أماكن مشهورة ثم يسانده مؤيدون آخرون منهم برلمانية في انتظار آخرين، والحزب الذي يقول رئيسه أن الأمازيغية شينوية، والحزب الذي قاوم بالغالي والنفيس كي لا تتم دسترة اللغة والهوية الأمازيغتين... لا يمكن أن ننتظر منه أكثر مما ولد. فالأمر طبيعي جدا.

أن تسكت مدة خمس سنوات عن إخراج قانون مثل هذا لأهميته، وديمقراطيته، ودستوريته وواقعيته، وتاريخيته واجتماعيته يعد سكوتا عن الحق ورغبة في افتراس حقوق أغلبية الشعب.

الانتظار حتى آخر نفس من عمر الحكومة لإصدار قانون بهذا الحجم هو استصغار واحتقار للأمازيغ ولهويتهم وحضارتهم، ولابد من صد هذا الفلتان بقياس عمر الحكومة بعمر الإنسان فكما لا يؤخذ بأقوال وقرارات الإنسان وهو يحتضر كذلك وجب وقف هذا القانون لأنه صادر عن جهاز يحتضر ويعيش آخر أيام حياته.

إن كان إصدار القانون التنظيمي لتفعيل الأمازيغية في هذا الوقت بالذات بالوقاحة إياها، يندرج ضمن حملة انتخابية سابقة لأوانها فانه أيضا تبخيس واحتقار لهذه القضية بجعلها مجرد ورقة انتخابية والحال هي قضية حياة يومية لشعب ظل لسنوات ينتظر أن يعيش بعز وكرامة في بلد يرى نفسه في دواليب مؤسساته وفي مختلف مظاهر الدولة.

إلغاء وإقصاء الحركة الأمازيغية والفاعلين الأمازيغ ممن ناضلوا لعقود من الزمن من أجل هذا اللحظة التاريخية وإبعادهم عن المشاركة الفعلية في صياغة هذا القانون والضغط عليهم بطرق غير مباشرة كي يدلوا بمساهماتهم عبر مذكرات جافة مصيرها سلة المهملات هو أيضا تعبير عن الاحتقار واستغباء لعقولنا وانتقاص لقدراتنا الذهنية مثلنا مثل سائر البشر.

هي ذي، على سبيل المثال لا الجرد، أهم الأجوبة التي تجعل من إصدار هذا القانون بهذا الشكل وعلى هذا النحو خرقا سافرا لكل الأعراف والقوانين بل ولحسن اللباقة والاحترام اللازمين لمثل هذه القضايا الحساسة والتي تعتبر قطب الرحى في بلد أمازيغي مثل المغرب.

ثم إن أي متصفح للقانون ذاك سيتبين له من النظرة الأولى أن التقسيم الزمني الذي تم تفصيله في جزارة الحكومة لا يستند على أسس منطقية وعلمية فكل ما تم تسطيره هناك يمكن لحكومة جادة أن تحققه في مدة أقصاها العامين مع العلم بأن الكثير من التراكمات والاجتهادات والاقتراحات قد تم انجازها منذ سنوات لأن هناك مؤسسات وجمعيات وفاعلين كانون يجتهدون ويبحثون وينجزون منذ أعوام في وقت كان فيها الحزب الحاكم منشغلا بالبحث عن الوسائل التي يمكن بها القضاء على هذه المنجزات ذاتها ومن ثمة على القضية الأمازيغية برمتها. فلا تعتقدي أيتها الحكومة أنك تبدئين من صفر انجاز.

على أية حال، الأكثر تفاؤلا منا لم يكن ينتظر من حكومة كهذه أن تلد أكثر مما ولدت، ولعل الوقت قد حان للتفكير بجدية وبسرعة في كيفية الوقوف ضد هذه الحماقة التي تنظاف لحماقات أخرى صدرت عن نفس الحكومة مما يعني غير أهليتها في سن التشريعات وفق احترام للمواطنين وفي إطار دولة تبتغي الديمقراطية واحترام حقوق مواطنيها بشكل متساو.

حان الوقت أكثر مما مضى من أجل رص الصفوف والتعبئة وحشد مختلف الجمعيات والمنظمات الحقوقية منها والاجتماعية من أجل محاربة هذا القانون الذي يرهننا كدين كلما وصل يوم أدائه إلا وتمت إعادة جدولته الزمنية.

لقد مر أكثر من ثلاثين سنة على بزوغ الوعي بالقضية الأمازيغية، ومنذ ذلك الحين وبعد نضال الحركة الأمازيغية ويقضتها وصمودها غيّر الكثير ممن كانوا يحاربونها مواقفهم إلى أن تمت دسترتها، والآن لا يعقل أن تأتي هذه الحكومة من الخلف لتعيد جدولة هذه القضية وإدخالها في دهاليز أخرى لا أحد يعرف نهايتها. لم نعد نثق في ما يفعله مثل هؤلاء الآن في هذه اللحظة فما بالك بعد خمسة عشرة من الآن.
بقلم محـمد بوزكَو