الفنان الأمازيغي رشيد أسلال : أخذت على عاتقي مند البداية همّ الرقي بالثقافة الأمازيغية

إسمي رشيد أسلال وُلدت بعاصمة الفن الأمازيغي الدشيرة، درست في البداية بمسجد إيلغياتن العتيق، ثم التحقت بمدرسة السعديين الابتدائية، هذه المدرسة التي أتأسف كثيرا الآن لما آلت إليه، بعد أن تغير شكلها من معلمة تاريخية شاهدة على حقبة تاريخية إلى بناية عادية دون مجد ولا تاريخ. درست بإعدادية فيصل بن عبد العزيز، ثم ثانوية عبد الله ابن ياسين. بعد ذلك طرقت باب معهد التكوين في الفندقة بأكادير، وما أن نلت دبلومي حتى ولجت عالم الفن الذي كان يغريني دائما.


مطرب الحي


كانت بداياتي المسرحية داخل الثانوية التي درست بها. في إحدى أعياد الأضحى، شاركت في عرض أُقيم بمنصة إرحّالن بالدشيرة لقي استحسانا كبيرا من طرف الجمهور العريض. وقتها اقتنعت بأن مطرب الحي قد يُطرب. أذكر أن والدتي بعد أن أخبرتها نسوة الحي بإعجابهن الكبير بما قدّمته، قالت لي: "الناس دْياولنا أولدي صْعيب تضحكهوم، ولكن ساهل يضحكو عليك، سير الله يعاونك، ضحك الناس فيه الخير ولكن حاول ما تكونش ضحكة". أخذت كلامها مأخذ الجد، لذلك فكرت في اختيار مواضيع جيدة للسخرية والابتعاد عن "الضحك الباسل"، لاسيما وأنني أخذت على عاتقي مند البداية همّ الرقي بالثقافة الأمازيغية والمساهمة في الكوميديا المغربية عموما.

الجامعة


عشت تجربة جميلة داخل الجامعات المغربية؛ حيث زرت أغلبها وتنقلت إلى أبعد كلية لتقديم عروضي أثناء أنشطة الحركة الثقافية الأمازيغية، ولطالما افتقدت ذلك الجو الآن، بسبب تشتت الحركة الطلابية إلى تنسيقيات عديدة، وكل تنسيقية تشتغل بمعزل عن الأخرى. وأنا لا أطعن في مصداقية هذه التنسيقيات، بقدر ما يأخذني الحنين إلى الجو الذي عشناه في التسعينيات. ندفع من ميزانيتنا البسيطة، نسافر إلى أبعد نقطة لنشارك في أنشطة الطلبة، وكم تعرضت للسخرية والاستهزاء، من طرف أشخاص يتقلدون الآن مناصب مهمة، يحملون الآن يافطة الأمازيغية والفن الأمازيغي، كنا وقتها نناضل من خلال ما نقدمه من فن، وكانوا هم يتحينون فرص الحصول على الامتيازات والمناصب.


أول فيلم


أديت دورا صغيرا في فيلم "تايري إيسيويدن" للمخرج الحسين بويزكارن، بعد ذلك جاءت تجربتي في "الوان مان شو" ((one man show، بعنوان "كايكات يان د الهم نس"، رفقة المخرج الشاب عزيز أوسايح الذي أقدره كثيرا، فقد غامر في تجربة غير معروفة العواقب، لكن العمل نجح، فتوالت أعمالي.

ليس في خزانتي عمل ندمت لأنني أديته، أفكر كثيرا قبل الانخراط في تجربة ما، لذلك كل أعمالي تُشعرني بالفخر، ولا شك أن أحفادي سيشعرون بالفخر ذاته، لأنني أول من أسس لفن "الوان مان شو" بالأمازيغية، ثم إن بعض الأفكار الكبيرة أنجزتها بإمكانيات بسيطة جدا.


البكاء والمؤامرة


هناك طغيان فكرة المؤامرة، في الوقت الذي يجب على الفنان ألا يحترف البكاء، وأن يقتنع بأننا من يصنع أنفسنا، ولا يجب انتظار من يمنحني فرصة شغل، نحن في سوس قوة فنية لا يستهان بها، ويجب أن نعي ذلك. رغم كل الظروف فنحن ننتج منتجا جيدا بإمكانيات ضعيفة، أحسن بكثير مما يُنتج بإمكانيات كبيرة. هناك معاناة في سوس، لكن لا يجب تعميقها، ليس كل من يتحدث الأمازيغية جيدا فهو فنان، فالفرنسيون كلهم يتكلمون الفرنسية لكنهم ليسوا ممثلين جميعهم. علينا أن نشجع الشباب على ولوج معاهد التكوين كي لا يكون الفن مهنة من لا مهنة له.

علينا أن نقتنع بأن أعمالنا هي التي يجب أن توصلنا إلى المقاعد الأمامية للمهرجانات، وليس أن ينادى علينا فقط كي لا يؤاخذوا بجريرة تهميش الفنان الأمازيغي، وأن يكون الحضور مبنيا على الأعمال والانتاجات الجيدة، وليس على العطف.


أكادير


أرى أن مدينة أكادير أصبحت مقبرة للفنانين، يُستغل فيها الفنان في المناسبات فقط، ثم يُنسى. عندما يتعلق الأمر بالعمل التطوعي، فإنهم يهرولون إلى الفن ليساهم بفنه ووقته دون مقابل. وعندما يجمعون المال، يسألون عن غيرك. هناك مهرجانات كثيرة ساهمت في بنائها، ولما ذاع صيتها تنكر لي القائمون عليها. أعتقد بأننا معشر الفنانين بأكادير نمسك البقرة من قرونها ليحلبها الآخرون. إنهم يُميعون الفضاء الثقافي بأكادير، ولن نسامحهم.

رسائل


على الفنان الأمازيغي أن يوفر المجهود الذي يبذله على البكاء للعمل الجاد. لا تتسوّل حقوقك، بل انتزعها بقوة العمل. ولا تبع وجهك بثمن بخس، فأنت أغلى ما تتوفر عليه الأمازيغية. ولا تستجدي عطف وشفقة أحد، بل كن قوة يُضرب لها ألف حساب.

علينا أن نقنع المستثمرين بأهمية ما نقوم به، وبدل الإكراميات، نريد مقابلا لعملنا، وأن نقدم خدمة فنية بمقابل، وليس أن نتلقى إحسانا.

على السياسيين أن يتركوننا في سلام، سياستهم تعكر صفو الأجواء الفنية، عليهم أن يتركوا المهرجانات لأبناء المجال الفني، لأن سماسرة الانتخابات عندما يتحالفون مع سماسرة المهرجانات يتسببون في العطالة للفنان الجاد والملتزم، لذلك عليهم ألا يمارسوا الوصاية على الجمهور، دعوه، فهو يعرف من يُطربه، ومن يمتعه.
بقلم : ميمون أم العيد