بوبكر أمهاوش ..الثائر الأمازيغي الذي هزم جيش المخزن و تمكن من أسر السلطان سليمان ...

بعدما تولى المولى سليمان العرش سنة 1792م ، قضى 5 سنوات يحارب أخَويه المولى هشام في الجنوب والمولى مسلمة في الشمال متنازعين عن الحكم إلى أن قضى عليهما . لكن ما لقيه من شراسة وهزائم  أمام  ثورة القبائل الامازيغية التي وقفت ضد الاستبداد والظلم والطغيان المخزني ، كان أدهى وأمر.


 فخلال سنوات طويلة ظلت جل القبائل الامازيغية خارج سيطرة المخزن (السلطة المركزية) ، وعلى رأس هذه القبائل الامازيغية قبائل آيت أومالو الثائرة، التي أذلّت جيش المولى سليمان في مناسبتين، بل تمكنت من أسر السلطان سليمان نفسه في‭ ‬الأخير. وظل لديها أسيرا لثلاثة أيام، قبل أن يُطلق سراحه و يرافقه فرسان أمازيغ إلى أبواب قصره بمكناس سالما .

وقائع الثوة الامازيغية ضد المخزن بقيادة الثائر الامازيغي بوبْكْر أمهاوش . 


تعود وقائع ثورة قبائل أيت أومالو الامازيغية ضد السلطان سليمان إلى الأيام الأخيرة من شهر ماي 1819، عندما أعلن هذا السلطان عزمه غزو قبائل اتحادية آيت أومالو الامازيغية (زيان، بني مگيلد، وآيت يوسي) بالأطلس المتوسط من أجل أخضاعها بالقوة لحكمه وفرض الضرائب والجبايات عليها. 

لكن هذه  القبائل الامازيغية رفضت تسلط المخزن وإستبداده ، وكانت قد إتحدت والتحمت قبل ذلك حول زعيمها القوي بوبْكْر أمهاوش الثائر ضد الطغيان المخزني ، وكانت هذه القبائل الامازيغية قد ألحقت بجيوش السلطان هزيمة منكرة سابقة في معركة آزرو قبل ثمان سنوات. لكن السلطان سليمان لم يرتدع  فأصر على مواجهة القبائل الامازيغية بالقوة لاخضاعها من اجل استخلاص الضرائب منها.

السلطان سليمان يهاجم  قبائل أيت أومالو الامازيغية

كان جيش السلطان سليمان في معظمه يتكون من عبيد البخاري


أصرّ السلطان سليمان للمرة الثانية على شن الحرب ضد هذه القبائل الامازيغية من اجل إخضاعها بالقوة ، فقام السلطان سليمان بحشد جيشه من عبيد البخاري ورجال القبائل الموالية له، وطلب تعزيزات اخرى من إبنه . يقول أحمد بن خالد الناصري في كتابه «الاستقصا» : 
« فحشد السلطان سليمان رحمه لله عرب الحوز كلهم، وكتب إلى العبيد بمكناسة يأمرهم أن يوافوه بتادلة. وكتب إلى ولده وخليفته بفاس المولى إبراهيم أن يوافيه بها بجيش الأوداية وشراقة وعرب الغرب وبرابرته وعسكر الثغور... وكان السلطان لما أخذ في استنفار هذه القبائل لا علم له بتفاحش الوباء بشمال‭ ‬البلاد، وكان الواجب على ابن السلطان أن يعلم أباه بما الناس فيه من فتنة الوباء، فيعفيهم من الغزو أو يؤخره إلى يوم ما، لكن جمع ولد السلطان الجموع وجلهم كاره وسار لميعاد أبيه فوافاه بتادلة.»
جمع السلطان حوالي ستين ألفا من الجنود من رجاله ومن العبيد، وزحف نحو قبائل آيت أومالو الامازيغية ، فأغار أولا على مزارعها في آدخسان، وأتى عليها بالكامل إتلافا كنوع من الانتقام والتحدي. وقبل ذلك حاول بعض الزعماء الأمازيغ استمالة السلطان إلى التفاوض، لشرح موقفهم وسبب رفضهم الخضوع لحكم المخزن الجائر، فبعثوا إليه برسلهم. لكنه رفض رفضا قاطعا، ولم يترك لهم خيارا آخر سوى الحرب.

إتحادية قبائل أيت اومالو الامازيغية تستنفر رجالها للحرب

ثوار امازيغ  بالاطلس خلال القرن الماضي  


تظاهر الثائر الامازيغي بوبكر أمهاوش بالضعف، لكن كان وراء دلك نية ودهاء للإيقاع بجيش السلطان عند قدومه في فخ لن يستطيع منه نجاتا، فحشد الثائر الامازيغي رجاله سرا وأستنفرهم و وزعهم  وراء الاكمة والثغور، وأنشأ الكمائن ، وأصطلحوا على الاشارات، وأعطى لكل مجموعة دورها ، وأعلمهم بأوقات الزحف والهجوم .

جيش السلطان سليمان يتقدم نحو حتفه 

إستنفرت القبائل الامازيغية المجاورة فرسانها لدعم  الثائر الامازيغي بوبكر أمهاوش  


فسار المولى سليمان بجيش عبيد البخاري وجيش الأوداية ورجال القبائل الموالية له . لكن ما إن توغلوا قليلا و انتصف النهار، حتى بدأت الحرب على أشدها، فأغار جيش الثائر الامازيغي بوبكر أمهاوش على الجيوش السلطانية من كل جهة على حين غرة ، فوقع جيش السلطان بين كماشة قبائل من آيت أومالو من الأمام وقبائل زمور من الخلف. فذبت الفوضى والدعر في صفوف جيش السلطان الذي أنهزم شر هزيمة وفرت فلوله لا تلوي على شيء .

يقول المؤرخ الناصيري عن جنود السلطان المنهزمة  : 
 «فخشعت نفوسهم وفشلوا ورجعوا منهزمين لا يلوي حميم على حميم، وأخذتهم البربر من بين أيديهم ومن خلفهم يقتلونهم ويسلـبونهم ». 

إنهزام جيش عبيد البخاري .. وأسر السلطان سليمان 

لم يبق للدفاع عن السلطان سليمان سوى جيش عبيد البخاري الذي إنهزم بدوره أمام  صمود الثوار الامازيغ وكثرة عددهم ، حتى وصل القتال إلى أخبية السلطان ، وظل حراسه يدافعون عنه بأنفسهم حتى عجزوا عن حمايته، فوصل إليه ثوار آيت أومالو في المساء وقاموا بأسره. و وقع السلطان في أسر فارس من بني مگيلد (إحدى قبائل الاتحادية)، يقول المؤرخ الناصري : 

«..فلما أراد أن يجرده فأعلمه بأنه السلطان، فاستحلفه البربري، فحلف له السلطان . فنزل عن فرسه وأركبه وطار به إلى خيمة الزعيم. وكان البربر يلقونه وهو ذاهب به، فيقولون من هذا الذي معك؟ فيقول: أخي أصابته جراحة.»

من شيم هذا الفارس الامازيغي أنه لم يعلن عن الهوية الحقيقية لأسيره السلطان لأحد، حفاظا على سلامته الجسدية من الاعتداء ، حتى وصل به إلى الزعيم أمهاوش.ومما يتضح فلم يكن وراء أسر السلطان الرغبة في الانتقام الاهوج ، بل كان وراء ذلك غاية أعظم وأنبل. 

إطلاق سراح السلطان سليمان ..وقيم الامازيغ المثلى

رسم تخيلي للسلطان سليمان 

ظل السلطان سليمان في أسره  لدى قبائل آيت أومالو الامازيغية مدة ثلاثة أيام، وتحول أسره إلى ما يشبه الضيافة. حيث أكرمه الامازيغ ولم يمسوه بأي سوء يذكر ، وبعد مفاوضات قصيرة خلال الأسر إلتزم خلالها السلطان بحقهم في الانفردا بحكم انفسهم وعدم التضييق عليهم أبدا . بعدها أمر الثائر الامازيغي أمهاوش بعض جنوده بحمل السلطان  في جماعة من الفرسان إلى مكان قريب من مكناس، فشيعوه حتى أبواب مكناس ورحلوا، فيما أرسل السلطان من يخبر أهله بقدومه سالما.

ندم السلطان سليمان على محاربة القبائل الامازيغية 

عاد المولى سليمان إلى عرشه . وبقي سلطانا شهورا عديدة في عزلة بقصره ، لكن اهتزت خلالها سلطته وصورته وخرجت الكثير من القبائل من تحث حكمه، وفي آخر أيام حياته تنازل عن الحكم لأخيه عبد الرحمان. ينقل المؤرخ محمد المنصور في كتابه تعليقا للقنصل الفرنسي في طنجة حينها: 
«إن جلالته يوجد في وضع محرج وندم تجاه رعاياه الذين بعد أن أسروه رافقوه إلى أبواب قصره بمكناس. إن التبجيل الذي يكنه هؤلاء لشخصه كشريف هو الشيء الوحيد الذي يضمن بقاءه كسلطان». 

 ويذهب المؤرخون المهتمون بعلاقة المخزن المغربي بالقبائل الامازيغية الثائرة والتي ترفض الخضوع لسلطة المخزن  أي "السائبة" كما يصفها  المخزن، إلى أن هذه القبائل الامازيغية كانت تميز بين السلطان‭ ‬الذي تكن له إجلالا دينيا باعتباره أمير المؤمنين، وبين مخزنه وممثليه وقواده في مختلف المناطق، حيث إن تمردها لا يكون تمردا ضد السلطان ورمزيته الدينية، وإنما ضد طغيان قواده وسياسته الجبائية الجائرة . (تاريخ المغرب: تحيين وتركيب).
البوابة الامازيغية .