أمازيغ مصر بعيون أمريكية

يعيش أزيد من 30 ألف مواطن مصري أمازيغي  في الواحة المشهورة  بـ"واحة سيوة"، غرب مصر على الحدود الليبية التابعة إدارياً لمحافظة مرسى مطروح. وقد عانت تلك الواحات الامازيغية  من التهميش الاقتصادي والثقافي من طرف الدولة لعقود طويلة، أثرت على حياة سكانها الامازيغ .

جاء هذا في سياق تقرير نشره موقع " المونتيور" الأمريكي والذي سلط فيه الضوء على حياة المجتمع الأمازيغي المهمش في واحة سيوة وأبرز الخصائص التي تميزهم عن باقي مناطق مصر. وفيما يلي نص التقرير:

أمازيغ مصر بعيون أمريكية 


 أوّل ما يلفت نظرك عند الوصول إلى واحة سيوه، أنّ الجميع مبتسمون. تظنّ أنّ ذلك وسيلة ترحيب بك كونك غريباً أو سائحاً، لكن سرعان ما تكتشف أنّ ذلك أحد طباع سكّانها الامازيغ ، كما أنّهم يريدون مساعدتك، ويريدون أن يجعلوك سعيداً ومبتسماً مثلهم، لتحافظ على خصائص الواحة.

أن  تمرّ بأي بلدة فلن تتعرّض فيها إلى السرقة، أو محاولات الاحتيال عليك، كونك غريباّ عنها ولا تعلم عنها شيئاً، و تجد الجميع يبتسم في وجهك ويحاول مساعدتك، ويريدك سعيداً، فضلاً عن عدم وقوع حالات للتحرّش الجنسيّ الجسديّ أو اللفظيّ، فإنّ واحة سيوه ستكون تجربة جيّدة لزائريها.

تساءل "المونيتور" عن أسباب ذلك، ولماذا يختلف سكّان واحة سيوه عمّا هو سائد في المجتمع المصريّ، وكانت الإجابة هي  ثقافتهم الأمازيغية العريقة وانعزالهم عن المجتمع بسبب البعد الجغرافيّ، رغم التهميش الذي أصابهم منذ عقود طويلة.

يعيش قرابة 30 ألف مواطن مصريّ من الأمازيغ، على الحدود المصريّة-الليبيّة، في ما يعرف بـ"واحة سيوه"، والتي تتبع إداريّاً محافظة مرسى مطروح. وقد عانوا من التهميش لعقود طويلة، أثّرت على حياتهم، ولم تسمح عزلتهم بالاندماج في المجتمع، ممّا أبقاهم مجتمعاً "قبليّاً" حتّى الآن، يتبع أحكام القبيلة وعاداتها وتقاليدها، لهم طابع حياة مستقلّ، ولهم أيضاً لغتهم الخاصّة إلى جانب اللغة العربيّة، اللغة الرسميّة في مصر.

ويقول المؤرّخ والباحث في أنساب قبائل الأمازيغ طارق جهلان، إنّ في مصر نحو 12 مليون شخص ذوي أصول أمازيغيّة، في حين "لا يزيد عدد الناطقين بالأمازيغيّة عن 30 ألفاً، هم سكّان واحة سيوه الامازيغية".

ويقول عمران السيويّ، أحد أبناء الواحة وهو حكّاء ويمتلك مقهى في جزيرة الخيال لـ"المونيتور" إنّ "أهل الواحة بسطاء، ومتديّنين، بيحبّوا يساعدوا الناس لإنّنا اتربّينا كده، وعايزين الزوّار يكونوا مبسوطين، علشان يرجعوا يزوروها تاني"، ويضيف: "الدولة مهملة في حقّ السياحة في سيوه، ولذلك إحنا بنعتمد على الدعاية لنفسنا بنفسنا، عن طريق معاملتنا الجميلة للسيّاح، ومحاولتنا إسعادهم".

ويؤكّد عمران أنّ سبب حفاظ أهل الواحة على تلك العادات هو تهميشهم وإقصائهم منذ عقود، قائلاً: "فضلنا محافظين على نفسنا، وعلى لغتنا الامازيغية وطباعنا وعاداتنا وتقاليدنا، لإنّنا كنّا خايفين تراثنا يندثر ويضيع وسط زحمة المدن الكبيرة".

وقد عرفت مصر منذ بدء حضارتها بالتعدّدية الثقافيّة، الأمر الذي أثير حين تمّ وضع الدستور الأخير لمصر، في عام 2014، بضرورة المحافظة على تعدّدية مصر الثقافيّة، وكان ضمن شعاراته التي أطلقت عليه "دستور لكلّ المصريّين"، واشتركت فيه الأقليّات مثل النوبيّين، والبدو، والأمازيغ.

وتمّ إقرار المادّة 50 في الدستور والتي جاء في نصّها: "تولي الدولة اهتماماً خاصّاً بالحفاظ على مكوّنات التعدّدية الثقافيّة في مصر". وقالت مستشارة رئيس منظّمة الكونغرس العالميّ الأمازيغي لحلف أمازيغ مصر أماني الوشاحي في تصريحات صحفية، في 16 مايو 2014 إنّ المادّة "تمثّل اعترافاً غير مباشر بوجود التعدّدية الثقافيّة".

وعانت الأقليّات المصريّة من تهميشها على مدار السنوات الماضية، ولفترات طويلة، وكان أمازيغ واحة سيوه ضمن من عانوا، حيث أنّ ذلك التهميش قد طال التعليم والصحّة والغذاء، فضلاً عن التمثيل في الدولة وانتقاص حقوقهم.

تم تهميش الأمازيغ منذ الحقبة الملكية، خاصة عقب حرب العلمين، في نوفمبر 1942، عن طريق الحكومات المتعاقبة، فضلًا عن إنهم أقلية عرقية، وأيضًا بعد واحة سيوه الجغرافي عن العاصمة.

ولكنّ وجهة نظر مغايرة ترى أنّ ذلك التهميش كانت له فوائد أيضاً. ففي واحة سيوه، والتي تعدّ مركز تجمّع أمازيغ مصر، حافظ هذا المجتمع القبليّ على نضارته.

يؤكّد شيخ قبيلة الزناين، أحد أكبر قبائل واحة سيوه فتحي الكيلاني في تصريحات صحفية، 27 نوفمبر 2013 أنّ "الواحة فيها 11 قبيلة من أصول أمازيغيّة، تتحدّث باللغة الأمازيغيّة، والتي يعرفها كلّ طفل في الواحة بحكم الميلاد والنشأة، وذلك قبل أن يتعلّم اللغة العربيّة في الحضانة، ليستطيع قراءة القرآن الكريم، ثمّ يقوم بدراستها عبر مراحل التعليم المختلفة".

رصد "المونيتور" بعض تلك الخصائص التي تميّز بها سكّان الواحة، وتفرّدهم عن سائر المصريّين في العادات والتقاليد.

اعتاد غالبيّة السكّان كسب قوت يومهم من الزراعة، حيث تحتوي الواحة على قرابة 300 ألف نخلة بلح، يتمّ جمع ثمارها لبيعها، ويقوم آخرون بتصنيع أنواع التمور ممّا ينتجه هذا النخيل، فضلًا عن 70 ألف شجرة زيتون، ومحاصيل أخرى من الفواكه والخضروات.

وتأتي المهنة الثانية باستخراج "الذهب الأبيض" وتكريره، وهو الاسم الذي أطلقه أبناء الواحة على الملح، والذي تنتجه الملّاحات والبحيرات في الواحة، وتقدّر كميّاته بنحو 60 مليون طن. ويقول الشيخ الكيلاني في 3 نوفمبر 2013 إنّ السكّان ينتظرون بفارغ الصبر فتح باب الاستثمار في هذا المجال، والذي عطّلته الدولة لسنوات، بسبب البيروقراطيّة، ويتميّز ملح سيوه بأعلى نسبة تركيز في العالم، ممّا يجعل الدول الصناعيّة والأوروبيّة تتهافت عليه.

وتميّز أمازيغ سيوه بالصناعات اليدويّة في الحليّ والملابس، والمشغولات المنزليّة، الخاصّة بتراثهم، والمشهورة ببساطتها وكثرة ألوانها، وقاموا بتصنيعها قديماً لسدّ حاجاتهم الشخصيّة، والتي تطوّرت لتصبح وسيلة لكسب العيش.

فيقوم السيويّون بتصنيع السجّاد المطرّز، والصحون المزخرفة المصنوعة من الفخّار، وفساتين الأفراح البربريّة التقليديّة، فضلاً عن المجوهرات السيويّة البسيطة والجذّابة، والآلات الموسيقيّة، والملابس السيويّة المطرّزة.

ويعمل بعض السكّان في السياحة، وما يتعلّق بها، فبعضهم يعمل في علاج الأمراض الجسديّة بالدفن في الرمال، وآخرون يعملون في مقاهي سياحيّة في جوار عيون المياه، أو محال بيع المنتجات اليدويّة السيويّة، فضلاً عن عمل الكثيرين في المواصلات، لتسهيل التنقّل بين معالم الواحة المتناثرة على أطرافها، أو تنظيم رحلات السفاري.

يقول السائق السيويّ أبو بكر أبو عبدالله لـ"المونيتور" إنّه يمتلك درّاجة بخاريّة مع كابينة ملحقة بها، ينقل فيها الزائرين، لبعد معالم الواحة عن مركزها، ويمتلك سيّارة لاند روفر، ينظّم فيها رحلات السفاري، وذلك هو مصدر رزقه الوحيد، والمرتبط بالسياحة.

أمّا الشيخ علي عبد الرحمن، ويمتلك مقهى بجوار عين كليوباترا، فقال لـ "المونيتور": "الواحة بسيطة وجميلة وتجذب الزوّار دائماً، ولكن أصبح عدد السيّاح الآن قليلاً"، مؤكّداً تأثّرهم بسبب تدهور السياحة في السنوات الأخيرة. ويضيف: "نحتاج اهتمام الدولة وزيادة الدعاية للواحة، لجذب عدد أكبر من السيّاح، ووضعها في شكل رسميّ على خريطة السياحة المصريّة".

ويقوم أهل الواحة بتعليم أبنائهم اللغة الأمازيغيّة، ويحرّضونهم على احترام الطبيعة والحفاظ عليها، والتمسّك دائماً بعاداتهم وأخلاقهم، ويحرصون على تديّنهم، باعتبار أنّ ذلك تراثهم، وما يميّزهم ويجب عليهم أن يتوارثوه جيلاً بعد جيل.