كرونولوجيا معركة لهري الخالدة ..هكذا كبّد المحاربون الامازيغ الجيش الفرنسي أكبر هزيمة له في افريقيا

تعتبر معركة لهري الخالدة أحد أشرس المعارك الحربية التي خاضها  المحاربون الامازيغ  ضد زحف الجيش الاستعماري الفرنسي بقيادة القائد الامازيغي موحى وحمو الزياني، حيث تكبد فيها الجيش الفرنسي اكبر هزيمة له في حروبه الاستعمارية في افريقيا قاطبة باعتراف الجنرال "كيوم" ، وقد شكلت هذه الهزيمة التي تكبدها الجيش الفرنسي في معركة  لهري نقطة سوداء في تاريخ الاستعمار الفرنسي لشمال إفريقيا وباقي دول جنوب الصحراء ، و كان لها تأثيرعظيم  في ظهور جيش التحرير المغربي و مواصلة الكفاح المسلح  كما تركت بصمات مشرقة في تاريخ المغرب المعاصر.

المحاربون الامازيغ يكبدون الجيش الفرنسي أكبر هزيمة له في افريقيا 

مكان المعركة حيث سقط مئات الجنود الفرنسيين و عشرات الضباط 

وفي هذا الصدد كتب الجنرال "كيوم"  Général Guillaume و كان أحد الضباط الفرنسيين الناجين  الذين شاركوا في الحملة الحربية على منطقة  الأطلس المتوسط في مؤلفه "الامازيغ المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط 1912 - 1933" يقول "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة" في إشارة لهزيمة الجيش الفرنسي في معركة لهري .

كتاب ( الامازيغ المغاربة و تهدئة الاطلس المتوسط 1912 - 1933 )
الذي ألفه الجنرال الفرنسي كيوم  Général Guillaume الذي كان ضابطا في الجيش الاستعماري الفرنسي 


وقد مثلت هذه المعركة الخالدة التي خاضها المحاربون الامازيغ بروح قتالية عالية محطة مضيئة في سجل التاريخ المغربي الحديث في مواجهة كل التحديات والذود عن الوطن كما جسدت بجلاء مدى كفاح وصمود الامازيغ  العظيم ضد الوجود الاستعماري بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 بين فرنسا و السلطة المخزنية .

هذه المعركة الخالدة أبلى فيها أمازيغ الاطلس المتوسط البلاء الحسن حيث سقط فيها عشرات الشهداء الامازيغ دفاعا عن ارض الوطن و قُتل فيها مئات الابرياء المدنيين من الاطفال و الشيوخ و النساء بالقصف المدفعي و أريقت فيها ازكى الدماء الامازيغية و دُمرت عشرات البيوت و أتلفت الممتلكات ..في حين كان ما يسمى برجال الحركة الوطنية الكلامية الاندلسيين الخونة يهنئون المستعمر الفرنسي و يشاركونه حفلاته كلما أخضع قبيلة من قبائل الامازيغ !!!!

كرونولوجيا معركة لهري الخالدة كما خاضها المحاربون الامازيغ الابطال

 محاربون امازيغ في جبال الاطلس سنة 1914 

بعدما تم احتلال جل ما كان يسمى في نظر "ليوطي" ب"المغرب النافع" - السهول  والمدن الرئيسية المستعربة - وبعدما تمكن الجيش الفرنسي من ربط المغرب الشرقي بالجناح الغربي من الوطن عبر تازة في شهر مايو 1914 توجهت أنظار الإدارة الاستعمارية نحو منطقة الأطلس المتوسط الامازيغية . وبالضبط إلى مدينة خنيفرة لتطويقها وكسر شوكة مقاوميها الامازيغ  في أفق فتح الطريق بين الشمال والجنوب عبر هذه القلعة الصامدة والتي شكلت إحدى المناطق التي اتخذها المقاومون  الامازيغ مركزا للكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي .

وقد تأكدت هذه الخطورة  من خلال التصريح الذي أدلى به المقيم العام "ليوطي" حيث قال يوم 2 مايو 1914 "إن بلاد زيان (الاطلس المتوسط)تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط وإن هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة تكون خطرا فعليا على وجودنا فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجأ وعتاد وموارد وقربها من الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".


وفي حمأة هذه الظروف العصيبة انطلقت أولى العمليات العسكرية وأنيطت مهمة القيادة بالجنرال "هنريس" الذي اعتمد في سياسته على أسلوب الإغراء حيث حاول التقرب إلى زعيم المقاومة القائد الامازيغي موحى وحمو الزياني الذي كان يرد بالرفض والتصعيد في مقاومته حينئذ تبين للفرنسيين أن مسألة زيان لا يمكن الحسم فيها إلا عن طريق الحرب. وبالفعل فقد بدأت سلسلة من الهجومات على المنطقة وترك "ليوطي" للجنرال "هنريس" كامل الصلاحية واختيار الوقت المناسب لتنفيذ العملية.

وقد نجحت القوات الاستعمارية في احتلال مدينة خنيفرة بعد مواجهات عنيفة إلا أن الانتصار الذي حققه الفرنسيون لم يمكنهم من إخضاع موحى وحمو الزياني الذي عمد إلى تغيير استراتيجية مقاومته وإخلاء المدينة المحتلة هروبا من الاستسلام والخضوع للاعتصام بالجبال المحيطة بخنيفرة وبالضبط بقرية لهري قرب نهر اشبوكة وفي انتظار أن تتغير المعطيات خاصة وأن أجواء الحرب العالمية الأولى أصبحت تخيم على أوروبا.

وفي هذه الظروف والملابسات تلقى المقيم العام "ليوطي" برقية من الحكومة الفرنسية جاء فيها "ينبغي في حالة الحرب أن تبذلوا جهودكم للاحتفاظ في المغرب بحد من القوات لا يمكن الاستغناء عنها إن مصير المغرب يتقرر في اللورين وينبغي أن يقتصر احتلال المغرب على موانئ الشواطئ الرئيسية إذا كان ممكنا على خط المواصلات خنيفرة مكناس فاس وجدة".

القائد الامازيغي البطل موحى وحمو الزياني قائد معركة لهري الخالدة
وما أن ذاع خبر وصول موحى وحمو الزياني إلى قرية لهري الامازيغية التي تبعد بـ 15 كيلومتر عن خنيفرة حتى سارعت القيادة الفرنسية إلى تدبير خطة الهجوم المباغت على المحاربين الامازيغ  غير آبهة بالأبرياء المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء وفي هذا الوقت قرر الكولونيل "لافيردير" القيام بهجوم مباغث على معسكر الزياني وكان ذلك ليلة 13 نونبر 1914. 

لقد تم الإعداد لهذا الهجوم بكل الوسائل الحربية المتطورة وحشد عدد كبير من الجنود. وفي هذا السياق يشير الأستاذ محمد المعزوزي إلى قيام المحتل الأجنبي بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جنديا معززة بالمدفعية. وتوجه إلى معسكر لهري حيث يتحصن المحاربون الامازيغ فقام بهجوم مباغت عليهم و على كل القرى الامازيغية  المجاورة .

لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا وتم تطويق المعسكر من أربع جهات في آن واحد ليبدأ القصف شاملا حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تضم الأبرياء وقام الجنود بأمر من "لافيردير" بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية فيما استغل البعض الآخر الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار واختطاف النساء توهما بالنصر.

هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومين الامازيغ المتحصنين وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر صار حليفهم وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني. غير أنه أصيب بخيبة أمل كبيرة جدا حينما فوجئ برد فعل عنيف جدا من طرف المحاربين الامازيغ ليدرك أنه ألقى بنفسه وبقوته في فخ لا سبيل للخروج منه.

وبالفعل فقد كان رد المحاربين الامازيغ عنيفا وأشد بأسا حيث زاد عدد المحاربين بسرعة بشكل مكثف بعد انضمام رجال سائر القبائل الامازيغية المجاورة  من قبائل اشقيرن ،آيت اسحاق، تسكارت ،أيت احند، ايت يحيى ،آيت نوح، آيت بومزوغ ،آيت خويا ،آيت شارط ،آيت بويشي .. فطوقوا الجيش الفرنسي المهاجم من كل جهة بشكل لا فكاك له للنجاة، وتم  الانقضاض عليه باستعمال كل أساليب القتال من بنادق وسيوف وخناجر وفؤوس وقد تحمست جل هذه القبائل  الامازيغية لمواجهة المحتل للثأر لنفسها ولزعيم المقاومة موحى وحمو الزياني وأبانت عن روح قتالية عالية جدا ومما زاد من دهشة القيادة الفرنسية الحضور المكثف والسريع لجل القبائل المجاورة رغم المسافات التي تفصل بينها.و مما ساعد المحاربين الامازيغ على الانتصار على الجيش الفرنسي درايتهم بمسالك و مخابئ و تضاريس المنطقة .فساعدهم ذلك كثيرا في إستدراج الجنود الفرنسيين الى حتفهم .

لقد كانت أرض لهري من أكبر المقابر العارية لقوات الاحتلال الفرنسي حينداك حيث قدرت خسائر القوات الفرنسية في يوم واحد بـ 650 قتيلا من الجنود و 33 قتيلا من الضباط  و176 جريحا وغنم المقاومون الامازيغ 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعددا كبيرا من البنادق كما قام موحى وحمو الزياني في 16 نونبر 1914 أي بعد مرور ثلاثة أيام على معركة لهري بتصديه بفرقة مكونة من 3000 محارب امازيغي لزحف العقيد الفرنسي "دوكليسيس" الذي كان قادما من تادلة لإغاثة ما تبقى من المقيمين بخنيفرة وكبده المجاهدون خسائر فادحة في الأرواح والعتاد .
بعض قتلى و جرحى الجيش الفرنسي خلال معركة لهري

تأثير و دور معركة  لهري  الخالدة في إستقلال المغرب

 لا تعتبر معركة لهري  انتصارا حربيا ظرفيا فحسب بل انتصارا معنويا تاريخيا عظيما أيضا بحيث حطمت قناعة تفوق  الجيش الفرنسي في نفوس المغاربة قاطبة ، الامر الذي ألهم المقاومين المغاربة قاطبة لمواصلة الكفاح المسلح حتى استقلال المغرب في نهاية المطاف.

و قد أشار المؤرخ و الاديب الامازيغي محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" كيف أن معركة لهري الهمت المقاومة المغربية بعدما  أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن مئات الجنود و أسر الكثير منهم، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة لهري التي إستؤصل (قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين وأكثر من 20 فيهم الكولونيلات(colonels ) والقبطانات (capitains ) والفسيانات(officiers )، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل لهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان ( بزعامة موحا أوحمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم". و هذا ما  ألهم و شجع  الاحرار المغاربة لمواصلة الكفاح المسلح دون كلل لعقود اخرى ضد الوجود الاستعماري حتى استقلال المغرب في نهاية المطاف .